أما الوقائع المبنية على التصرفات، فإننا وإن كنا قد أمرنا بإعداد الدليل المسبق عليها- كما تشير إلى ذلك آية المداينة في سورة البقرة، إلا أن العرف أو الملابسات كثيرا ما يتجاوز هذا الإثبات المعد من قبل، لاسيما مع عدم تمسك الشريعة الإسلامية بالشكل كركن في الإثبات، ونصها على عدم وجوب الإثبات الكتابي في المسائل التجارية، كما يشير إلى ذلك قول الله تعالى في ذات الآية سالفة الذكر:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا}[البقرة: ٢٨٢] وحرصها على استثناء حالة الضرورة، على نحو ما تشير إليها الآية التالية لآية المداينة بقولها:{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}[البقرة: ٢٨٣] ، نقول إنه حتى في هذه التصرفات، فإن القرائن تظل لها سلطانها في الإثبات إذا لم يتوافر الدليل المعد من قبل، لاسيما والفقه الإسلامي لا يعطي للإثبات بالبينة والقرائن قوة محدودة إذا تجاوزت قيمة التصرف قدرا معينا، كما تجنح لذلك أغلب التشريعات المعاصرة.
وبذلك تكون أهمية القرائن واضحة في الاستدلال بجميع صوره سواء اتصل بالوقائع الجنائية أم بسواها من الوقائع المادية أم بالتصرفات المدنية، ويكون لإهمال دراستها دراسة موسعة آثاره الخطيرة على الإثبات القضائي عامة.