على أن هذه الأهمية لا يحق أن تصل بنا إلى إغفال حقيقيتين هامتين:
٦- أولاهما: أن الاهتمام بالقرائن لا يعني التقليل من خطورة الأدلة المباشرة كالإقرار والشهادة واليمين، إذ تبقى لهذه الأدلة أهميتها القصوى إذا توافرت، وكانت مقنعة في الكشف عن الحقيقة، وهو أمر يفتقد كثيرا في الدعاوى القضائية في عصرنا الحاضر.
فالإقرار كثيرا ما لا يطابق الواقع، ونادرا ما يتم بوازع من الندم وتأنيب الضمير، والشهادة- كما يقول علماء النفس والتحقيق الجنائي-: هي حاصل عملية بالغة التعقيد تتفاعل فيها حواس الشاهد مع عواطفه وأعصابه وتفكيره، وتتشكل نتيجة لذلك صورة خاصة بالشاهد ترتسم في مخيلته فلا يتذكر سواها، فالشاهد ليس دائما مجرد آلة تصوير تنقل ما هو ماثل أمامها دون تفاعل أو إضافة أو تعديل، هذا إلى جانب أن النسيان وارد، كما أن تعارض الشهادات الصادرة عن شخص واحد مع بعضها وارد كذلك إذا تراخى الفصل في الدعاوى مما هو سمة العصر في كثير من البلدان، ناهيك باحتمال الكذب والتلفيق، واحتمال الكتمان والعزوف عن الشهادة وغير ذلك مما قد يعتور الشهادة (١) .
أما اليمين، فإن نقص الوازع الديني، يجعل منه أداة غير صالحة لأن تقود وحدها إلى الحقيقة المبتغاة.
ولذلك فإنه مع أهمية هذه الأدلة، وخطورتها تظل القرائن مرشدا قضائيا هاما يعين على تصديق الدليل المباشر، أو يحمل على إهداره حين يتعارض مع الوقائع المادية أو العلمية التي لا تكذب.
(١) الدكتور عبد الوهاب العشماوي- شهادة الشهود دليل محفوف بالمخاطر- مقالة بمجلة الأمن العام سنة (٢٨) عدد (١١٠) يوليو سنة (١٩٨٥م) ، ص٧ وما بعدها. القانون المدني (المصري) - مجموعة الأعمال التحضيرية - مطبعة دار الكتاب العربي: ٣/٣٩٤-٣٩٥