للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نخلص مما تقدم أن الفقه الإسلامي يعطي للقرائن حقها في الإثبات، لا ينقص عنه ولا يزيد عليه، فهو يهمل دلالتها إذا كانت موهومة ويعتبرها إذا كانت متفقة مع الغالب الراجح ولم يقم دليل على عكسها، فإذا اتصلت بإثبات الجرائم فإنه يتطلب أن تبرأ من الشبهات وعلى الأخص إن كانت دليل إدانة في الحدود والقصاص.

٣٠- وهذا الفقه الرائد- في شأن القرائن الذي يكل إلى القاضي التقاط الوقائع التي تعتبر أمارة عليها واستنباط الدليل المستفاد منها- لا يحدد مصادر معينة وإنما يترك التقدير للقاضي، مما يسمح له بأن يستفيد من خبرات البشرية ومنجزات العلم، وتطور المعرفة، وهي أمور أعانت القضاء كثيرا في الوصول إلى الحقيقة، وعلى الأخص عندما يعز لديه الدليل المباشر، بحكم طبيعة الأمر المعروض في الدعوى، كما في بعض المسائل المتصلة بالنسب، أو بحكم ما يعمد إليه الجناة أو الخصوم من طمس للحقائق أو تضليل وتعمية في الطرق الموصلة لها.

٣١- وقد يكون من المناسب في هذا الصدد أن نكشف عن نماذج مما كشفت عنه التطورات العلمية الحديثة:

أ- ففي مجال البصمات كشف العلم عن إمكانية تحديد شخصية الفرد عن طريق مضاهاة بصمات أصابع اليد، أو راحة اليد، أو آثار الأقدام أو بصمة الأسنان، أو الأذن، أو بصمات فتحات العرق، أو بصمة الركبة أو الشفتين.

بل إن العلم، في تقدمه المتلاحق، أثبت أنه من الممكن إثبات نسب الولد عن طريق الشيفرة الجينية التي تنتقل من الأبوين إلى الجنين، وتستمر معه طوال حياته وفي خلاياه بعد موته.

ب - وفي مجال الفحص البيولوجي والفني، أثبت العلم أن في الإمكان الاستدلال على الشخص من شعرة واحدة، تجري عليها المضاهاة باستخدام التحليل الإشعاعي.

كما أن بالإمكان تحديد فصيلة الدم ومقارنتها بفصائل دم الوالدين للوصول إلى مدى صحة النسب، أو بمقارنتها بدماء المجني عليه أو المتهم، أو تحليل البقع الدموية عن طريق الأشعة فوق البنفسجية أو بالفحص الميكروسكوبي للاستفادة بذلك في الإثبات الجنائي أو المدني.

<<  <  ج: ص:  >  >>