للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذلك نبرأ من جدل يثيره القانونيون، لا جدوى منه في نظرنا، ونخضع لما هو مسلم من أن الأمر كله للمشرع فهو صاحب الحق وحده في أن يضفي على قاعدة معينة عدم القابلية لإثبات العكس أو النقض أن يجعلها قابلة لهما معا أو لأحدهما فقط.

على أنه أيا كان نوع القرينة، وسواء أكانت قضائية أم شرعية بسيطة قابلة لإثبات العكس والنقض، أم قاطعة غير قابلة لإثبات العكس، وإن قبلت النقض، فإن أهميتها- في أي نوع منها- لا تدخل تحت حصر، إذ هي إلى جانب ما يمكن أن تؤديه من تعزيز للأدلة المباشرة، فإنها قد تشكل دليلا قائما بذاته لاسيما في الوقائع المادية التي تمثل جانبا هاما ومؤثرا في الدعاوى القضائية، سواء أكانت وقائع طبيعية، أم إرادية كالأعمال غير المشروعة والجرائم الجنائية، بل إن أهميتها تتعدى- في الفقه الإسلامي- إلى إثبات التصرفات التجارية أو المدنية التي لا يعد لها وقت إنشائها الدليل الذي يكفي أصحابها شر التنكر لحقوقهم مستقبلا.

وبذلك ينفتح المجال أمام القرائن لاستخدامها في الاستدلال في المنازعات المختلفة، فلا تتأبى طبيعتها على أي نوع منها، وإن كانت بعض المنازعات، لا يستعان فيها بالقرائن لأمر خارج عنها، كتقييد المشرع الحكيم الإثبات بدليل غيرها، أو السماح لإثبات العكس بوسيلة سواها، أو التضييق من سلطة القاضي في الاقتناع بإلزامه بأن يبرئ هذا الاقتناع من أي شبهة ترد عليه، كما في الحدود والقصاص، التي يجب أن تدرأ الإدانة فيهما بأي شبهة.

وتبقى القرائن- بعد ذلك ملاذا يتجاوب مع ما تغرزه المجتمعات من تطورات، وما يستحدثه العلم من حقائق تصلح أساسا لوقائع الأمارات، أو هاديا لاستنباط القرائن، أو كاشفا عن قوة الدليل المستفاد من بعض الأمور، على أن يراعى في شأنها ما قرره المجمع الموقر في دورة مؤتمره العاشر بجدة، من تأصيل التعامل مع المستجدات العلمية بنظرة إسلامية، ودعوة أجهزة الإعلام لاعتماد النظرة الإيمانية في التعامل مع هذه القضايا وتجنب توظيفها بما يناقض الإسلام، وتوعية الرأي العام للتثبت قبل اتخاذ أي موقف استجابة لقول الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>