فإذا كان الرأي الأول يجعل أخذ الزكاة من رأس المال نفسه –العمارة والمصنع- فإن هذا الرأي يجعل أخذها من الدخل والإيراد، بنسبة ربع العشر ٢.٥، ولا يشترط لذلك حولان الحول.
رأي معاصر: أن تزكى الغلة زكاة الزرع والثمر:
وهناك رأي آخر معاصر يوافق الرأي الثاني في أخذ الزكاة من غلة هذه الأشياء، ولكنه يخالفه في مقدار ما يؤخذ، فإنه جعل الواجب هو العشر أو نصفه، قياسًا على الواجب في الأرض الزراعية.
فإذا كان الرأي الأول قاس هذه الأشياء على عروض التجارة؛ فهذا قاسها على الأرض الزراعية، وقاس إيرادها على الزرع والثمار، إذ لا فرق بين مالك تجبى إليه غلات أرضه المزروعة، ومال آخر تجبى إليه غلات مصانعه وعماراته ونحوها.
وإلى هذا الرأي –في قياس العمائر والمصانع على الأرض الزراعية- ذهب من فقهائنا المعاصرين الأساتذة: أبو زهرة وعبد الوهاب خلاف وعبد الرحمن حسن –رحمهم الله- في محاضرتهم بدمشق سنة ١٩٥٢ عن الزكاة. (١)
فقد قسموا الأموال –نقلًا عن الفقهاء- إلى ثلاثة أقسام:
١- أموال تقتنى لإشباع الحاجات الشخصية؛ كدور السكنى لأصحابها، والأقوات المدخرة لسد حاجة المالك، وهذه لا تجب فيها الزكاة.
٢- أموال تقتنى لرجاء الربح بسببها، أو يكون من شأنها ذلك، ولكن تختزن في الخزائن، وهذا تجب فيه الزكاة باتفاق الفقهاء، ومنه الأموال التي أخذ الرسول منها الزكاة، وهي الأصل الذي يقاس عليه غيره.
٣- أموال تتردد بين النماء وإشباع الحاجة الشخصية كالحلي والماشية التي تتخذ للعمل والنماء معًا، وفي حكمها اختلف الفقهاء، كما بينا من قبل.
ثم قالوا: إن تطبيق هذا التقسيم على عصرنا ينتهي بنا لا محالة إلى أن ندخل في أموال الزكاة أموالًا في عصرنا مغلة نامية بالفعل، لم تكن معروفة بالنماء والاستغلال في عصر الاستنباط الفقهي، وذكروا من هذه الأموال نوعين:
أولًا: أدوات الصناعة التي تعتبر رأس مال للاستغلال، وهي وسيلة الاستغلال لصاحبها، مثل صاحب مصنع كبير يستأجر العمال لإدارته، فإن رأس ماله للاستغلال هو تلك الأدوات الصناعية، فهي من هذه الآلات، فلا تعد كأدوات الحداد الذي يعمل بيده، ولا أدوات النجار الذي يعمل بيده. وهكذا.. ولهذا قالوا: نرى أن الزكاة تجب في هذه الأدوات باعتبارها مالًا ناميًا، وليس من الحاجات التي لإشباع الحاجات الشخصية بذاتها. وإذا كان الفقهاء لم يوجبوا الزكاة في أدوات الصناعة في عصورهم، فلأنها كانت أدوات أولية لا تتجاوز الحاجة الأصلية لصناعته، والإنتاج لمهارته، فلم تعتبر مالًا ناميًا منتجًا، إنما الإنتاج فيها للعامل.
(١) حلقة الدراسات الاجتماعية للجامعة العربية – الدورة الثالثة – ص ٢٤١، ٢٤٢