للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الآن فإن المصانع تعد أدوات الصناعة نفسها رأس مالها النامي، ولذلك نقول: إن أدوات الصناعة التي يملكها صانع يعمل بنفسه كأدوات الحلاق الذي يعمل بيده ونحوه تعفى من الزكاة، لأنها تعد من الحاجات الأصلية له. أما المصانع فإن الزكاة تفرض فيها، ولا نستطيع أن نقول: إن تلك مخالفة لأقوال الفقهاء، لأنهم لم يحكموا عليها، إذ لم يروها، ولو رأوها لقالوا مثل مقالتنا فنحن في الحقيقة نخرج على أقوالهم، أو نطبق المناط الذي استنبطوه في فقههم رضي الله عنهم.

وثانيًا: العمائر المعدة للاستغلال لا للسكنى الشخصية، فإننا نعدها مالًا ناميًا، ولا نعدها من الحاجات الأصلية، ولذلك نقسم الدور إلى قسمين:

أحدهما: ما أعد لسكنى المالك، وهذه لا زكاة فيها، كما قرر الفقهاء.

والقسم الثاني: ما هو معد للاستغلال، فإننا نرى أن تفرض فيه الزكاة، ولسنا في ذلك نخالف الفقهاء، وإن قرروا أن الدور لا زكاة فيه، لأن الدور في عصورهم لم تكن مستغلًا إلا في القليل النادر، بل كانت للحاجة الأصلية، ولم يلتفتوا إلى النادر، لأن الحكم للأغلب الشائع، والنادر لا حكم له في الشرائع.

أما الآن فإن الدور أصبحت للاستغلال لا للسكنى الشخصية فقط، فالعمائر تشاد لطلب الفضل والنماء، وهي تدر الدر الوفير، فالواجب أن تؤخذ منها زكاة، إذ هي مال نام مستغل، ولأننا نأخذ من نظيرها، وهو الأراضي الزراعية، فمن العدل أن نأخذ منها زكاة، وإن لم نأخذ من هذا كان ذلك تفريقًا بين متماثلين، وذلك لا يجوز في الإسلام، ونحن في هذا أيضًا نطبق أقوال الفقهاء أو نخرج على أقوالهم لتحقيق المناط الذي استنبطوه.

ومن الإنصاف أن نقول: إن الإمام أحمد – رضي الله عنه – كانت له غلة تجيئه من حوانيت يؤجرها، فكان يخرج زكاتها، مع أنه لا مورد لعيشه سواها (راجع مناقب الإمام أحمد ص ٢٢٤- لابن أبي يعلى) .

" ولقد رأيناه صلى الله عليه وسلم يفرض الزكاة فى الأموال المنقولة غير الثابتة من رأس المال بمقدار ربع عشره ووجدناه يفرض الزكاة فى الأموال الثابتة المنتجة, فى الغلة لا فى الأصل, لأن الأصل لا يقبل التجزئة والأخذ منه، فانتقل الأخذ إلى الغلة، فكان الأخذ من الإنتاج بمقدار العشر أو نصف العشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>