وعلى ضوء ما قرر النبي صلى الله عليه وسلم من مقادير مفرقا بين الثابت والمنقول من حيث المأخذ والمقدار، فإنا أيضًا في الأموال المنتجة في عصرنا، نفرق بين المنقول والثابت، ففي المنقول تؤخذ الزكاة من رأس المال بمقدار ربع العشر، والثابت تؤخذ الزكاة من غلته بمقدار العشر أو نصف العشر.
وعلى هذا نقول: إن العمائر وأدوات الصناعة الثابتة تؤخذ الزكاة من غلاتها، ولا تؤخذ من رأس المال، وعند التقدير بالعشر أو نص العشر، إن أمكن معرفة صافي الغلات بعد التكاليف- كما هو الشأن في الشركات الصناعية – فإن الزكاة تؤخذ من الصافي بمقدار العشر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الزكاة بالعشر من الزرع الذي سقى بالمطر أو العيون، فكأنه أخذه من صافي الغلة، وإن لم تمكن معرفة الصافي على وجهه – كالعمائر المختلفة- فإن الزكاة تؤخذ مها (أي من الغلة) بمقدار نصف العشر" (١) . اهـ.
هذا ما ذهب إليه ثلاثة من كبار العلماء، الذين قضوا حياتهم في دراسة الفقه الإسلامي وأصوله وتاريخه، وتدريسها. فاجتهادهم هنا هو اجتهاد الخبير الأصيل، لا المتطفل الدخيل. وهو اجتهاد صحيح، لأن معتمدة هو القياس، أحد الأصول والأدلة الشرعية المعتبرة عند جمهور الأمة.
أما تعليقنا على الموضوع نفسه. فنوضحه في السطور التالية:
مناقشة وترجيح:
إن الرأي الذي ذهب إليه شيوخنا الأجلاء، يوافق الاتجاه الثاني – كما ذكرنا – في أخذ الزكاة من غلة العمارات والمصانع وفوائدها – أعنى أرباحها – ولكنه يخالفه في مقدار ما يجب أخذه. فالرأي السابق يجعل الواجب ربع العشر، اعتبارًا بزكاة النقود. وهذا الرأي يجعل الواجب العشر أو نصفه، اعتبارًا بزكاة الزروع والثمار، وقياسًا لدخل العمارات والمصانع ونحوها على دخل الأرض الزراعية، وهذا الرأي هو الذي أختاره، لأنه اعتمد على أصل شرعي صحيح وهو القياس، ولكني ألاحظ عليه الأمور الآتية:
أولها: أن هذا الرأي أدخل المصانع والعمارات في الأموال النامية التي تجب فيها الزكاة، ولكنه لم يضع ضابطًا عامًا، أو قاعدة جامعة، يندرج تحتها كل ما ماثلها من رءوس الأموال المغلة المنتجة، فلا شك أن في عصرنا مزارع للأبقار والدواجن ونحوها، تدر ربحًا وفيرًا من المنتجات الحيوانية. وفي عصرنا أموال كسيارات الأجرة الصغيرة (التاكسي) والكبيرة (أوتوبيس) وسيارات النقل، والسفن التجارية، والطائرات التجارية والمحلات التي تؤجر الأثاث في الأحفال والمناسبات، وغير ذلك كثير. وهذه الأموال الجديدة لا تدخل تحت المصانع ولا العمارات. ولهذا رأينا أن تدخل هذه الأشياء وما شابهها تحت قاعدة " المستغلات " فهي قاعدة حاصرة جامعة. سواء أكان الاستغلال بطريق كراء العين والاستفادة بأجرتها، كالعمارات والسيارات ونحوها أم بطريق الانتاج وبيع ما يحصل من نتاجه، أي الإنتاج للسوق، كالمصانع ونحوها. سواء كان مصدر الاستغلال حيوانًا كبقر الألبان والدواجن، والتي قسنا منتجاتها في الفصل السادس على عسل النحل – أم جمادًا كالأشياء الأخرى. وسواء كان المستغل عقارًا كالعمارة والمصنع أم منقولًا كالسيارة والأثاث الذي يؤجر في الأحفال ونحوها. فلا ضرورة إذن للتفرقة بين الثابت والمنقول. كما ذكر هذا الرأي، بأن تؤخذ الزكاة في رأس المال الثابت من الغلة بمقدار العشر (أو نصفه) وفي المال المنقول تؤخذ الزكاة من رأس المال نفسه بمقدار ربع العشر.