للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجل، لا ضرورة لهذه التفرقة وقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من العسل وهو غلة النحل، وليس النحل من العقارات، بل هو أقرب إلى المنقولات، وخلايا النحل، يمكن نقلها بالفعل.

الثاني: إن قياس الدور المؤجرة ونحوها على الأرض الزراعية، غير مسلم. وقولهم: لا فرق بين مالك تجبى إليه غلات أرضه، ومالك تجبى إليه غلات عماراته، منقوض. فإن الزكاة التي تؤخذ من الزرع ليست منوطة بملك الأرض الزراعية، بل بملك الزرع نفسه، فصاحب الزرع عليه الزكاة ولو كان مستأجرًا كما هو قول الجمهور.

والذي يصح أن يقاس عليه هو مالك الذي يكري أرضه، وتجبى إليه غلتها في صورة " أجرة " من مستأجريها، فهذا أشبه شيء بمالك العمارة الذي يكريها، وتجبى إليه غلتها كذلك.

ولهذا كان لا بد أن يسبق هذا الحكم أصل يقاس عليه، وهو القول بزكاة أجرة الأرض الزراعية، إذا قبضها مالكها، وهو ما ذهبنا إليه من قبل، ورجحناه بالأدلة. بدون هذا الأصل لا يسلم القياس المذكور.

الثالث: أن قياس العمارات ونحوها على الأرض الزراعية يمكن أن ينقض بوجود الفارق بينهما. ذلك أن الأرض الزراعية مصدر دائم للدخل، لا يعتريه توقف، ولا يلحقه بلى أو تآكل بتقادم العهد. بخلاف العمارات ونحوها فإنها مصدر مؤقت يعيش سنوات تقل أو تكثر ثم ينتهي ويتوقف، فكيف يصح القياس مع هذا الاختلاف بين الأصل والفرع والقياس يقتضي التماثل بين المقيس والمقيس عليه وإلا كان قياسًا مع الفارق.

والذي يخرجنا من هذا الاعتراض، ويصحح القياس المذكور هو الأخذ بما ذهب إليه علماء الضرائب من إعفاء مقابل الاستهلاك، فقد نادوا باقتطاع مبالغ سنوية من الدخل بحيث يؤدي تراكمها على مر السنين إلى الاستعاضة عن رأس المال - مصدر الدخل- بمصدر آخر جديد. فإذا كانت الآلة أو العقار – مصدر الدخل – يستطيع الاستمرار في الإنتاج مدة ثلاثين عامًا مثلًا، فإنه يمكن – بإدخار جزء من ثلاثين جزءًا من ثمنه كل عام – شراء مصدر آخر من آلة أو عقار، عند توقف الأول، بحيث يبقى الدخل قائمًا مستمرًا، وهذا الجزء المقتطع كل عام يجب أن يعفى من الضرائب (١) فإذا كان رجل يملك عمارة يقوم ثمنها بثلاثين ألف دينار مثلًا، وافترضنا أنها تنقص كل عام ١/٣٠ من ثمنها، أي ألف دينار فالمفروض أن تخصم هذه الألف من غلتها السنوية، فلو كانت تؤجر في السنة بمبلغ ٣٠٠٠ ثلاثة آلاف – تعتبر كأنه لم تؤجر إلا بألفين فقط.

وبهذا يصح قياس العمارة والمصنع على الأرض الزراعية، فإنها مصدر باق صالح للإنتاج على مر الزمن، وما تحتاج إليه من تسميد ونحوه، فهو أشبه بنفقات الصيانة للمبنى والآلة. وهذا غير مقابل الاستهلاك الذي ذكرنا.


(١) انظر: علم المالية الدكتور رشيد الدقر ص ٣٦٨

<<  <  ج: ص:  >  >>