للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه بعض صور القضية، وللقضية تعلقات شائكة وآثار خطيرة وأبعاد كثيرة لا تكاد تحصى، وأنها لتمس الفرد والمجتمع والدولة في مجالات مختلفة وجوانب شتى، غير أن الذي يعنينا بحثه في هذا المقام ما يتصل بالمعاملات المالية عند تغير أحوال النقد، وأثر ذلك على الديون في الذمم، أيًا كان سببها ومنشئوها.

وهذا الجانب – في الحقيقة ونفس الأمر – وإن كان عظيم الأهمية وبالغ الخطورة في هذا العصر على الخصوص، فإن مبادئه وأسسه موجودة ومعروفة في تعامل المسلمين وفقههم منذ أكثر من ألف عام مضى، ولفقهائهم في ذلك آراء ونظرات هامة جديرة بالعناية بها والإفادة منها، وبيان ذلك:

(أ) تغيرات النقود الذهبية والفضية

٢- إن الدين الثابت في الذمة إذا كان عملة ذهبية أو فضية محدودة مسماة، فغلت أو رخصت عند حلول وقت الأداء، فلا يلزم المدين أن يؤدي غيرها؛ لأنها نقد بالخلقة – كما يعبر الفقهاء – وهذا التغير في قيمتها لا تأثير له على الدين البتة (١) .

يقول ابن عابدين في رسالته "تنبيه الرقود على مسائل النقود": "وهذا كالريال الفرنجي والذهب العتيق في زماننا، فإذا تبايعا بنوع منهما، ثم غلا أو رخص، بأن باع ثوبًا بعشرين ريالاً مثلاً، أو استقرض ذلك، يجب رده بعينه، غلا أو رخص" (٢) .

ويقول أيضًا: "وإياك أن تفهم أن خلاف أبي يوسف جار حتى في الذهب والفضة – كالشريفي والبندقي والمحمدي والكلب والريال – فإنه لا يلزم لمن وجب له نوع منها سواه بالإجماع (٣) .

وعلى هذا نصت المادة (٨٠٥) من "مرشد الحيران حيث جاء فيها: وإن استقرض شيئًا من المكيلات أو الموزونات أو المسكوكات من الذهب والفضة، فرخصت أسعارها أو غلت، فعليه رد مثلها ولا عبرة برخصها وغلوها".

٣- وحتى لو زادت الجهة المصدرة لهذه العملة سعرها أو أنقصته، فلا يلزم المدين إلا ما جرى عليه العقد (٤) .


(١) تنبيه الرقود لابن عابدين: ٢/٦٤.
(٢) تنبيه الرقود: ٢/٦٤.
(٣) تنبيه الرقود: ٢/٦٤.
(٤) منح الجليل لعليش: ٢/٥٣٤، قطع المجادلة عند تغيير المعاملة للسيوطي (مطبوع ضمن الحاوي للفتاوى) : ١/٩٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>