وبعد، فيكاد يكون هذا البحث منحصرا على أثر القرائن في الجنايات، وقد قصدنا إلى ذلك عن عمد وسبق إصرار- على حد تعبير القانونيين - لأن القرينة في الجنايات أفعل، وجل آثارها إثبات عدم الأهلية للحكم على المتهم.
أما القرينة في الأحوال الشخصية والشؤون المالية، فقد تضاءل تأثيرها وضاق مجالها، حتى لتوشك أن تنمحي في هذا العصر، بما بلغه تقدم التشريع الوضعي والأنظمة المالية، من ضبط ودقة توثيق، بحيث أصبحت الحاجة إلى الاستدلال بالقرائن بالغة الندرة بالقياس مع ما كانت عليه قديما يوم لم تكن ضوابط ولا وسائل توثيق كالتي وجدت الآن.
ثم لأن ضلالات الذين يزعمون أنهم دعاة الانبعاث الإسلامي، عملت على تشويه صورة الإسلام في أعين المسلمين وغير المسلمين، فقدمته كما لو كان سوطا وضعه الله على أبشار عباده وسيفا على رؤوسهم وأيديهم.
فكأن تطبيق الشريعة الإسلامية ينحصر أو ينحصر جله في تطبيق الحدود على الناس، والله سبحانه وتعالى أرحم وأرأف بعباده من أن يجعل دينه الذي ارتضاه لهم مجرد سوط على أبشارهم وسيف على رقابهم وأيديهم.