للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٨- والقول الثالث: وجه عند المالكية، وهو أن التغير إذا كان فاحشًا، فيجب أداء، قيمة النقد الذي طرأ عليه الغلاء أو الرخص. أما إذا لم يكن فاحشًا فالمثل (١) .

يقول الرهوني معلقًا على قول المالكية المشهور بلزوم المثل ولو تغير النقد بزيادة أو نقص: "قلت: وينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يكثر ذلك جدًا، حتى يصير القابض لها كالقابض لما لا كبير منفعة فيه، لوجود العلة (٢) التي علل بها المخالف" (٣) .

٢٩ – وبالنظر في هذه الأقوال الثلاثة وتعليلاتها يلوح لي:

(أ) أن الاتجاه الفقهي لإيجاب أداء قيمة النقد الذي طرأ عليه الغلاء أو الرخص يوم ثبوته في الذمة هو الأولى بالاعتبار من رأي الجهور الذاهبين إلى أن الواجب على المدين أداؤه، إنما هو نفس النقد المحدد في العقد والثابت في الذمة دون زيادة أو نقصان، وذلك لاعتبارين:

أحدهما: أن هذا الرأي هو الأقرب للعدالة والإنصاف، فإن المالين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل. والله يأمر بالقسط.

والثاني: أن فيه رفعًا للضرر عن كل من الدائن والمدين، فلو أقرضه مالاً فنقصت قيمته، وأوجبنا عليه قبول المثل عددًا تضرر الدائن؛ لأن المال الذي تقرر له ليس هو المستحق، إذ أصبح بعد نقصان القيمة معيبًا بعيب النوع المشابه لعيب العين المعينة (حيث إن عيب العين المعينة هو خروجها عن الكمال بالنقص، وعيب الأنواع نقصان قيمتها) . ولو أقرضه مالاً فزادت قيمته، وأوجبنا عليه أداء المثل عددًا تضرر المدين، لإلزامه بأداء زيادة عما أخذ، والقاعدة الشرعية الكلية أنه " لا ضرر ولا ضرار ".

(ب) أن الرأي الذي استظهره الرهوني من المالكية بلزوم المثل عند تغير النقد بزيادة أو نقص إذا كان ذلك التغير يسيرًا، ووجوب القيمة إذا كان التغير فاحشًا أولى في نظري من رأي أبي يوسف – المفتي به عند الحنفية – بوجوب القيمة مطلقًا؛ وذلك لاعتبارين:


(١) حاشية المدني: ٥/١١٨.
(٢) ويقصد العلة التي استدل بها أصحاب القول المقابل للمشهور في مسألة كساد النقلد، وهي أن الدائن قد دفع شيئًا منتفعًا به لأخذ منتفع به، فلا يظلم بإعطائه ما لا ينتفع به (انظر حاشية الرهوني: ٥/١٢٠، حاشية المدني: ٥/١١٨) .
(٣) حاشية الرهوني: ٥/١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>