ولا شك أن القرينة القاطعة كما يطلق عليها الفقهاء – من قبيل ما يفيد العلم الثاني، بمعنى أن القرينة القاطعة تفيد علم طمأنينة الذي هو أقل درجة من الضروري أو اليقيني، وفوق الظن فهي التي تؤدي إلى اطمئنان القلب بحيث يغلب على الظن دلالتها على المراد المجهول، فيطرح احتمال عدم دلالتها، وغالب الظن ملحق باليقين وتبنى عليه الأحكام الشرعية وتسميتها بالقطع نتج من تطابق آحادها واجتماعها على معنى واحد وهو المراد، مما أدى إلى القطع بصدق دلالتها، غير أننا إذا أفردنا النظر إلى مفرداتها كل على حده ما حصل لنا العلم بصدقها، ولكن عند الاجتماع يحصل العلم بالمجموع.
ولعل من أظهر الأقوال على هذا المعنى قول ابن قدامة الحنبلي في كتابه روضة الناظر:(ولا ينكشف هذا إلا بمعرفة القرائن وكيفية دلالتها فنقول: لا شك إننا نعرف أمورا ليست محسوسة، إذ نعرف من غيرنا حبه لإنسان، وبغضه إياه وخوفه منه، وخجله..وهذه أحوال في النفس لا يتعلق بها الحس، قد يدل عليها دلالات آحادها ليست قطعية بل يتطرق إليها الاحتمال، لكن تميل النفس بها إلى اعتقاد ضعيف ثم الثاني والثالث يؤكده، ولو أفردت آحادها لتطرق إليها الاحتمال إلى أن يحصل القطع باجتماعها كما أن قول كل واحد من عدد التواتر محتمل منفردا، ويحصل القطع بالاجتماع، فإنا نعرف محبة الشخص لصاحبه بفعل المحبين من خدمته وبذل ماله وحضور مجالسه لمشاهدته وملازمته في تردداته وأمور من هذا الجنس، وكل واحد منها إذا انفرد يحتمل أن يكون لغرض يضمره لا لمحبته، لكن تنتهي كثرة هذه الدلالات إلى حد يجعل العلم القطعي بحبه)(١) .