للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثاني

العلم المتحصل من القرائن

ظهر من التعريف المتقدم أن الفقهاء أطلقوا لفظ- القاطعة- علي القرينة التي دلت على ما يراد الحكم فيه دلالة واضحة، بيد أن الأصوليين قد أطلقوا العلم القطعي بمعنين.

الأول:

هو العلم الذي يحصل من غير تأمل ونظر أو استدلال، أو الذي يحصل من غير واسطة تفضي إليه.. ويسمى عندهم بالعلم الضروري ومثال ذلك: الأوليات، كقولنا: إن الواحد نصف الاثنين، أو لا يجتمع الضدان، وكذا ما يخبر به متواتر، كعلمنا بوجود مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وعلمنا بالخلفاء الأربعة والأئمة الأربعة- ووسائل العلم الضروري: العقل، والخبر المتواتر والحواس الخمس.

الثاني:

ما يعرف بالنظر والتأمل والاستدلال، ويسمى عندهم بالعلم النظري.. ويقول الغزالي في المستصفى: (النظري هو الذي يجوز أن يعرض فيه الشك وتختلف فيه الأحوال فيعلمه بعض الناس دون بعض ولا يعلمه النساء والصبيان ومن ليس من أهل النظر ولا يعلمه من ترك النظر قصدا، وكل علم نظري، فالعالم به قد يجد نفسه فيه شاكا ثم طالبا ونحن لا نجد أنفسنا شاكين في وجود مكة المكرمة ووجود الشافعي رحمه الله طالبين لذلك) (١) .

ويقول ابن برهان البغدادي: (إن العلم النظري هو الذي يكون بينه وبين النظر ارتباط معقول..كقول القائل: العالم لم يسبق الحوادث فهو حادث، فالعالم إذا حادث.. فبين قولنا: العالم حادث، وبين المقدمتين المذكورتين ارتباطا معقول ومناسبة ظاهرة..والعلم الحاصل بأخبار التواتر ليس بينه وبين الأخبار ارتباط) (٢) .


(١) المستصفى للغزالي: ١/١٣٢- ١٣٣.
(٢) الوصول إلى علم الأصول لابن برهان: ٢/١٤٢؛ انظر كذلك الإبهاج شرح المنهاج للسبكي وولده: ٢/٢٨٦؛ وإرشاد الفحول للشوكاني، ص٤٥- ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>