للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن هذه التعريفات وإن اختلفت كلماتها، إلا أنها تتفق على أن القرينة أمر أو أمارة أي علامة تدل على أمر آخر وهو المراد، بمعنى أن هناك واقعة مجهولة يراد معرفتها فتقوم هذه العلامة أو مجموعة العلامات بالدلالة عليها، وهو لا يختلف عن المعنى اللغوي لأن هذه العلامات تصاحب الأمر المجهول فتدل عليه، أي تدل عليه لمصاحبتها له.

مثال ذلك: أن يرى شخص يحمل سكينا ملطخة بالدماء وهو خارج من دار مهجورة خائفا، يرتجف، فيدخل شخص أو أشخاص تلك الدار على الفور فيجدون آخر مذبوحا لفوره مضرجا بدمائه وليس في الدار غيره- فالمراد معرفته، هو شخصية القاتل، والعلامات التي تدل عليه هي خروج ذلك الرجل وبتلك الهيئة التي تحمل على الاعتقاد أنه القاتل وذلك عند عدم اعترافه أو قيام البينة على القاتل، فالاعتراف والبينة دليلان يتناولان الواقعة المجهولة مباشرة، أما العلامات فإنها تدل عليها دلالة، أي يؤخذ منها بالدلالة والاستنتاج حكم الواقعة المجهولة.

ومن الواضح في هذا المثال أيضا، أن الاستدلال على شخصية القاتل استنتاجا من هذه العلامات المذكورة أمرمنطقي ومعقول، فالارتباط وثيق بين خطوات الاستنتاج، والنتيجة المستنتجة، ولا عتب على القاضي إذن إذا بنى حكمه بناء على هذه الوقائع مطمئنا على سلامة استنتاجه..أما إذا لم يكن الاستدلال قائما على علامات واضحة، أو أسباب مقنعة، بحيث يظهر بوضوح الارتباط بين خطوات الاستنتاج والنتيجة، فمن العسير التسليم للقاضي بسلامة الحكم..ولهذا فقد منع الفقهاء القاضي من بناء حكمه على القرائن الضعيفة التي تتسع فيها دائرة الاحتمال والشك، كما منعوه من بناء حكمه على الفراسة التي تختفي فيها خطوات الاستنتاج (١)


(١) الفراسة بالكسر من التفرس وهو التوسم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله) وترددت تعريفاتها عند الفقهاء بين استدلال بالعلامات الخفية التي لا يدركها إلا الأذكياء الحذق، وبين استدلال بالإلهام وما يقذفه الله من نور لأولي البصائر والأولياء يدركون به الأشياء- والفراسة لا تصلح دليلا في الأحكام القضائية عند جمهور الفقهاء خلافا لابن قيم الجوزية- انظر بالتفصيل مقالنا بمجلة الجامعة الإسلامية العدد (٦٢) السنة (١٤٠٤هـ) بعنوان: الإثبات في الفقه الإسلامي.

<<  <  ج: ص:  >  >>