ولعل من الأقوال الحكيمة التي تدل على بعد الأفق وسعة النظر وقوة الحجة في هذا الموضوع ما ذكره ابن القيم رحمه الله مؤيدا إثبات الحد بالتعريض إذا دلت القرائن على ذلك:(وأما الذي قال يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود، فليس فيه ما يدل على القذف لا صريحا ولا كناية، وإنما أخبره بالواقع مستفتيا عن حكم هذا الولد أيستلحقه مع مخالفة لونه للونه أم ينفيه؟ فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقرب له الحكم بالمشبه الذي ذكره ليكون أذعن لقبوله وانشراح الصدر له، ولا يقبله على إغماض، فأين في هذا ما يبطل حد القذف بقول من يشاتم غيره، أما أنا فلست بزان وليست أمي بزانية ونحو هذا من التعريض الذي هو أوجع وأنكى من التصريح وأبلغ في الأذى، وظهوره عند كل سامع بمنزلة ظهور الصريح، فهذا لون وذلك لون، وقد حد عمر بالتعريض في القذف ووافقه الصحابة أجمعون.. وروى ابن جريج أن عثمان كان يحد في التعريض وذكره ابن أبي شيبة وكان عمر بن عبد العزيز يحد في التعريض وهو قول أهل المدينة والأوزاعي وهو محض القياس، كما يقع الطلاق والعتق والوقف والظهار بالصريح والكناية واللفظ إنما وضع لدلالته على المعنى فإذا ظهر المعنى غاية الظهور لم يكن لتعبير اللفظ كثير فائدة)(١) .