للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نكتفي بهذا القدر من استعراض مذاهب الفقهاء من الأخذ بالقرائن في الحدود..وقد رأينا أن جمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية يرون أنه لا مجال لأعمال القرائن في إثبات الحدود وإن كانت تصلح لدرء الحد الثابت كما في قرينة وجود البكارة في المرأة بعد ثبوت الزنا عليها ... أما فقهاء المالكية وابن تيمية وابن القيم..وابن الغرس ورواية عن أحمد فقالوا: إنه يجوز إثبات الحدود ببعض القرائن التي ذكروها على سبيل الحصر وهي قرينة الحبل في المرأة التي لا زوج لها ولا سيد، وقرينة الرائحة والسكر والقيء في الخمر، والتعريض إذا دلت الحالة الظرفية على إرادة القذف ووجود المال المسروق مع السارق عند بعضهم.

ولكل من هذين الفريقين أدلة تؤيد مذهبه وتسند موقفه، ونعرض هنا أدلة كل فريق، ثم نناقش هذه الأدلة لعلنا نستطيع الوقوف إلى جانب أحدهما على أساس استقامة الدليل معه أو موافقته للمصلحة.

أدلة المجوزين:

أولا: روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (الرجم واجب على كل من زنا من الرجال والنساء إذا كان محصنا إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف) متفق عليه (١) .

فظهور الحبل في المرأة التي لا زوج لها ولا سيد قرينة على ارتكاب الزنا إذ أن الحمل لا يأتي إلا عن جماع.

ثانيا: روى مالك في الموطأ أنه قال: بلغني أن عثمان رضي الله عنه أتي بامرأة ولدت لستة أشهر فأمر برجمها فقال له علي رضي الله عنه: ما عليها الرجم لأن الله تعالى يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] ، وقال أيضا: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] ، فالحمل مدته ستة أشهر (٢) .

وهذا يدل على أنه كان يريد رجمها بقرينة الحمل.

ثالثا: روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: زنا العلانية أن يظهر الحمل، أو الاعتراف فيكون الإمام أول من يرمي (٣) .


(١) صحيح مسلم مع شرح النووي: ١٠/ ١٩٢؛ وبلوغ المرام لابن حجر مع سبل السلام: ٤/٨.
(٢) جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد: ١/٧٥١ ومؤلفه محمد بن محمد بن سليمان المتوفى في سنة (١٠٩٤هـ) .
(٣) المغني لابن قدامة: ٨/٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>