للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناقشة أدلة الفريقين:

بالنظر إلى أدلة الفريقين نلاحظ أن الأدلة التي أوردها المجوزون للإثبات بالقرائن في الحدود تعتمد في أكثرها على آثار من عمل الصحابة رضوان الله عليهم والحديث المسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي رواه أبو داود ذكره ابن القيم في تأييد مذهبه إلا أنه أورد معه الاضطراب في متنه، والاضطراب المذكور هو ورود رجم الذي اعترف بالزنا في رواية، وفي رواية أخرى أنه لم يرجمه، ويرى ابن القيم أن هذا هو الاضطراب ربما كان هو الذي دعا الإمام مسلما أن يستبعده مع أن الحديث على شرطه (١) .

والحديث في ظاهره يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أثبت الزنا بالقرينة حيث أنه أمر برجم الذي وجد عند المرأة فاتخذ من قرينة قول المرأة وضبط المتهم عندها واعترافه بأنه كان مغيثا لها قرينة على أنه الزاني.

إلا أن بعض شراح الحديث يضعف هذا القول ويرى أنه ربما كان هناك وهم من الراوي وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر فعلا برجم الرجل الذي اتهمته بالزنا، أو أن هذا ما أختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمر برجم ذلك الرجل بالرغم من عدم ثبوت الجريمة عليه ليكون ذلك أدعى لمقترف الجريمة بالاعتراف.

يقول ابن العربي في شرحه على سنن الترمذي (وفي هذه حكمة عظيمة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر به ليرجم قبل أن يقر بالزنا، وإن لم يثبت عليه ليكون ذلك سببا في إظهار النفسية حين خشي أن يرجم من لم يفعل وهذا من غريب استخراج الحقوق ولا يجوز ذلك لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن غيره لا يعلم من البواطن ما علم هو صلى الله عليه وسلم بإعلام الظاهر بالباطن له بذلك) (٢) .


(١) الطرق الحكمية، ص٧٠.
(٢) شرح ابن العربي على سنن الترمذي:٦/٢٣٧-٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>