للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا يمكن القول بأن الآثار التي وردت عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم من أنهم جلدوا حد الخمر بمجرد قرينة الرائحة أو قرينة القيء قد أورد المخالفون لهم ما يعارضها، وذلك ما ورد مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يأمر بحد من وجد سكران يتمايل، والسكر أيضا قرينة على تناول الخمر بل هي أبلغ في دلالتها من القيء، إذ أن من تقيأ الخمر ربما شربها جاهلا فلما علم بها أراد أن يخرجها، والسكر لا يدل على ذلك، فكان التمسك بالحديث المرفوع أولى من مذهب الصحابي.

كما أنه قد ورد عن الصحابة ما يدل على عدم اعتدادهم بقرينة القيء في إثبات حد الخمر، فقد أورد البيهقي: أن الجارود سيد عبد القيس رفع إلى عمر رضي الله عنه أمر قدامة بن مظعون واليه على البحرين ليقيم عمر حد الخمر على قدامة فقال عمر للجارود: من شهد معك؟ قال: أبو هريرة فدعا أبا هريرة فقال: بم تشهد؟ قال: لم أراه شرب ولكني رأيته سكران يقيء فقال عمر: لقد تنطعت في الشهادة، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين، فقدم، فقام الجارود يطلب إقامة الحد عليه، فقال عمر: أخصم أنت أم شهيد؟ قال: بل شهيد، قال: فقد أديت الشهادة، هذا ولم يحد عمر حتى جاءت زوجة قدامة وشهدت على زوجها فأمر به (١) .

فقد أقام الحد على قدامة بشهادة الجارود وزوجة قدامة ولم يأخذ بقول أبي هريرة أنه رآه يتقيأ.

هذا وقد حاول المانعون للعمل بالقرينة في الحدود تأويل هذه الأحاديث المأثورة عن الصحابة وصرفها عن ظاهرها، فيقول النووي في تأويل ما ورد عن عثمان رضي الله عنه بحد الشارب بمجرد القيء قوله: (وقد يجيب أصحابنا عن هذا بأن عثمان رضي الله عنه علم شرب الوليد فقضى بعلمه في الحدود – قال: وهذا تأويل ضعيف) (٢) .


(١) السنن الكبرى للبيهقي:٨/٣١٥.
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم:١٠/١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>