وقد يكون من الضروري والعالم الإسلامي يعيش منعطفا دقيقا وتاريخيا يقضي باليقظة، والتفتح، والعمل الصالح، في ظل رسالة القرآن الكريم أن نجعله نصب أعيننا نستوحى منه نقط الانطلاق والالتقاء، فقد قال جلالته بالحرف:"إن روح العمل الجماعي هي الصلة المميزة لنجاح الأمة الإسلامية وقدرتها على مواجهة جميع التحديات، وأن المؤشرات تدل على أن الأمة الإسلامية قد وضعت أقدامها على طريق تصحيح المسار، والعودة إلى رحاب العقيدة في ظل تضامن أبناءها ... إننا نؤمن جميعا – أيها الأخوة – أن الإسلام دين يخاطب العقل، ويناهض التخلف في شتى صوره وأشكاله، ويشجع حرية الفكر، ويستوعب منجزات العصر، ويحض على متابعتها، كما أن الإسلام وهو يضع قواعد السلوك الإنساني فإنه ينظم العلاقات الاجتماعية والدولية على أساس من الرحمة حيث يقول الله عز وجل في محكم التنزيل:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: ١٠٧] .
حضرات السادة الأكارم،
يسجل التاريخ بكل إكبار وإجلال أن صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني حفظه الله خاطب الضمير الإسلامي سنة ١٩٦٩ بروحانية المؤمنين الصابرين أن أزفت ساعة الالتقاء والالتحام، فالخطب جلل، والمصيبة داهية دهماء، قاتلة إن لم تنبذ الأمة الإسلامية متاهات الخلاف والشقاق، وتسعى بروح وثابة صلبة بناءة إلى التلاقي والوفاق، فالمسجد الأقصى يحرق، والقدس الشريف يسرق، ومعالم الحضارة الناطقة بتعايش الديانات السماوية الثلاثة تباد وتمحق.
وشاءت العناية الربانية أن تجد هذه الصيحة الطاهرة تجاوبا مطلقا في مختلف البقاع والأصقاع، فيلبي القادة الأعلام الدعوة الملكية الكريمة، ويستضيف رباط الفتح المؤتمر الأول للقمة الإسلامية: حيث حددت المعالم، وظهرت الاختيارات والمراسم، واتضحت الرؤية لوضع المواثيق والأحكام لتسترجع الأمة الإسلامية قوتها ومناعتها أمام المتآمرين على شخصيتها، وحضاراتها، ورسالتها السماوية الإنسانية. {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ}[آل عمران: ١١٩] ، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال: ٣٠] .
وشاء ربك أن يبين جلالته في خطابه السامي ما ينتظره المسلم في هذا الملتقى، "المنتظر منا أن لا نخيب رجاء الذين ينتظرون نتائج أعمالنا، المنتظر منا أن نعطي للعالم فكرة جديدة على تجمع المسلمين، فكرة الفعالية، فكرة العمل، فكرة الواقعية، فكرة الإيجابية.
علينا أن نجعل من هذه الخطوة التي بارك الله سبحانه وتعالى عملها خطوة تتلوها خطوات، ولبنة تقف فوقها لبنات، وأساسا يمكننا أن نبني عليه جدارا ذلك الجدار الذي يجمع بين جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها".
وشاء ربك أن يكون المؤتمر الأول خطوة تلتها خطوات تأصيلية وتحليلية وفي مختلف الميادين، فأصبحت منظمة المؤتمر الإسلامي هيكلا وأجهزة وروافد حقيقة ملموسة، وأخذت محكمة العدل الإسلامية الدولية طريقها للنور، بالإضافة إلى وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام، وتكوين اللجنة الإسلامية الدولية في القانون، وتوجت كل هذه الأعمال الجليلة بمجمع الفقه الإسلامي الذي سيساند الصحوة الإسلامية، ويزكي اعتزاز كل مسلم بدينه الحنيف، وانتمائه الحضاري المشرف، وماضيه المشرق المجيد، ومستقبله الواضح القوي السديد.