للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ رشيد رضا: " والبخس أعم من نقص المكيل والموزون؛ فإنه يشمل غيرهما من المبيعات كالمواشى والمعدودات، ويشمل البخس في المساومة، والغش والحيل التي تنتقص بها الحقوق، وكذا بخس الحقوق المعنوية كالعلوم والفضائل " (١)

وإذا تدبرنا في الآيات الخاصة بمنع البخس نرى أنها تضمنت في المكانين النهي عن الإفساد، والتأكيد على أن التوحيد وعدم البخس هو الخير، ففي سورة الأعراف: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} إلى قوله: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأعراف: ٨٥] .

وفي سورة هود: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: ٨٥ – ٨٦] ، حيث يدلان بوضوح على مدى العلاقة الوثيقة بين الإفساد والبخس وعدم الوفاء بالكيل والميزان بالقسط، ثم التأكيد فيهما على أن التوحيد والالتزام بالعدالة وعدم بخس الأشياء والنقود، يعود بالنفع والخير على المجتمع وعلى الإنسانية جميعا، وما نراه الآن من مشاكل التضخم والديون يؤكد ذلك، ويبرهن على أن إصلاح المجتمع وسعادته، لا يتمان إلا من خلال العدالة والحفاظ على الاستقرار والتوازن المطلوب، هذا من جانب، ومن جانب آخر نرى القرآن الكريم أمر البشر بعبادة الله وحده، ثم دعاهم إلى العدالة وعدم الغش، مما يدل على أن القدرة على الإصلاح لا تتأتى إلا إذا كانت قد سبقها الإعداد الروحي الإيمانى، يقول الأستاذ رشيد رضا: " فالتحقيق الذي ثبت بالدلائل العقلية والنقلية والتجارب الدقيقة؛ أن ملكات الفضائل لا تطبع في الأنفس إلا بالتربية الدينية " (٢)


(١) تفسير المنار، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب: ٨ / ٤٦٨.
(٢) المصدر السابق: ٨ / ٤٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>