للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال زيد بن أسلم: " كانوا يكسرون الدراهم والدنانير" (١) ، وقد شدد العلماء في عقوبة الغش في النقود، فقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه جعله من الفساد في الأرض (٢) ، ولذلك نرى مجيء النهي عن الإفساد في الأرض بعد قوله تعالى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} في الآيتين السابقتين، بل إن بعض العلماء ذهبوا إلى عدم قبول شهادته، قال ابن العربي: " قال أصبغ: قال عبد الرحمن بن القاسم: من كسرها لم تقبل شهادته، وإن اعتذر بالجهاله لم يعذر ... " ثم قال القاضي: " إذا كان هذا معصية وفسادا يرد الشهادة، فإنه يعاقب من فعل ذلك، واختلف في عقوبته على ثلاثة أقول:

الأول:

قال مالك: يعاقبه السلطان على ذلك هكذا مطلقا، (أي يناط الأمر في عقوبته باجتهاد الإمام، حسب الظروف والملابسات التي تحيط بكل قضية) .

الثانى:

قال ابن المسيب – ونحوه عن سفيان: إنه مر برجل قد جلد، فقال ابن المسيب: ما هذا؟ فقالوا: رجل كان يقطع الدراهم، قال ابن المسيب: هذا من الفساد في الأرض، ولم ينكر جلده.

الثالث:

قال أبو عبد الرحمن التجيبى: كنت عند عمر بن عبد العزيز قاعدا، وهو إذ ذاك أمير المدينة، فأتي برجل يقطع الدراهم، وقد شُهِد عليه، فضربه وحلقه، فَأَمَرَ فطيف به.. ثم قال له: إنه لم يمنعني أن أقطع يدك إلا أني لم أكن قد تُقُدِّمْتُ في ذلك قبل اليوم، فقد تَقَدَّمْتُ في ذلك فمن شاء فليقطع. قال ابن العربى معلقا على هذا: " وأما قطع يده، فإنما أخذ ذلك عمر – والله أعلم – من فصل السرقة، وذلك أن قرض الدراهم غير كسرها، فإن الكسر إفساد الوصف، والقرض تنقيص القدر، فهو أخذ مالا على جهة الاختفاء.. وقد أنفذ ذلك ابن الزبير، وقطع يد رجل في قطع الدراهم والدنانير " ثم قال: " وأرى القطع في قرضها دون كسرها، وقد كنتُ أفعل ذلك أيام توليتي الحكمَ " (٣) .

وقد اعتبره أحمد أيضا في رواية من الفساد في الأرض، حيث سئل عن كسر الدراهم؟ فقال: " هو عندى من الفساد في الأرض " (٤) ، وذكر القاضي أبو يعلى أن مروان بن الحكم قطع يد رجل قطع درهما من دراهم فارس، وروى ابن منصور أنه قال لأحمد: " إن ابن الزبير قدِم مكة فوجد بها رجلا يقرض الدراهم فقطع يده " (٥)

كل ذلك يدل على مدى الأهمية، والمخاطر التي تنجم عن التلاعب بالنقود الذي يترتب عليه الظلم، وهضم الحقوق، واضطراب الأحوال والأسواق.


(١) أحكام القرآن لابن العربي، دار المعرفة (٣ / ١٠٦٣) .
(٢) المصدر السابق نفسه.
(٣) أحكام القرآن: ٣ / ١٠٦٥ – ١٠٦٦.
(٤) الأحكام السلطانية للقاضى أبي يعلى، ص ١٨٢ – ١٨٣.
(٥) المصدر السابق نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>