للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تكلم الفقهاء عن واجبات الإمام نحو إصدار النقود، حيث حصروه عليه، ولم يسمحوا لغيره من المؤسسات الخاصة بإصدارها، وترتب على ذلك أن يكون حجم النقود بالقدر المطلوب، بحيث لا يؤدي إلى تضخم أو انكماش، بالإضافة إلى أن الطلب على النقود في إطار الإسلام ليس في اكتنازها واختزانها، ولا لاستخدامها في إحداث التلاعب في أسعار السلع، وإنما هو ينصرف إلى دافع المعاملات، الأمر الذي يُحدث قدرًا كبيرًا من التوازن بين الكمية المعروضة، والكمية المطلوبة من النقود، ويدل على ذلك تحريم الاكتناز، بل إن فرض الزكاة على النقود، يجعل صاحبها لا يفكر في الاختزان المجرد، وإلا فتأكلها الصدقة والنفقة؛ وذلك لأن مهمة النقود أن تتحرك وتتداول، لا أن تكتنز وتحبس، فتؤدي إلى كساد الأعمال وانتشار البطالة، وركود الأسواق، وانكماش الحركة الاقتصادية (١) ، ولذلك اقترح بعض علماء الاقتصاد الغربيين أن يحدد للنقود تاريخ للإصدار والانتهاء، بحيث تفقد قيمتها بعد مضي مدتها، فحينئذ لا تكون قابلة للاكتناز والادخار. (٢)

ولم يكتف الفقهاء بمجرد إناطة إصدار النقود إلى الإمام بل قالوا: " ينبغي ألا يغفل النظر إن ظهر في سوقهم دراهم مبهرجة ومخالطة بالنحاس، بأن يشتد فيها، ويبحث عمن أحدثها، فإذا ظَفر به أناله من شدة العقوبة، وأمر أن يطاف به الأسواق، لينكله ويشرد به من خلفه، لعلهم يتقون عظيم ما نزل من العقوبة، ويحبسه بعد على قدر ما يرى، ويأمر أوثق من يجد بتعاهد ذلك من السوق، حتى تطيب دراهمهم ودنانيرهم، ويحرزوا نقودهم، فإنَّ هذا أفضل ما يحوط رعيته فيه، ويعمهم نفعه في دينهم ودنياهم (٣)


(١) د. شوقي دنيا، تقلبات القوة الشرائية للنقود، بحث منشور في مجلة المسلم المعاصر، العدد (٤١) ، ص ٥٥.
(٢) أ. د. يوسف القرضاوي، فقه الزكاة: ١ / ٢٤٢.
(٣) المعيار المعرب: ٦ / ٤٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>