للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حذر شيخ الإسلام ابن تيمية من المخاطر الناجمة عن شيوع العملات الزائفة، مبينًا مسؤولية الإمام نحوها، فقال: " ولهذا ينبغي للسلطان أن يضرب لهم فلوسًا تكون بقيمة العدل في معاملاتهم، من غير ظلم لهم، ولا يتجر ذو السلطان في الفلوس أصلًا. . . ولا بأن يُحرم عليهم الفلوس التي بأيديهم ويضرب لهم غيرها، بل يضرب ما يضرب بقيمته من غير ربح فيه، للمصلحة العامة، ويعطي أجرة الصناع من بيت المال، فإن التجارة فيها باب عظيم من أبواب ظلم الناس وأكل أموال الناس بالباطل، فإنه إذا حرّم المعاملة بها، حتى صارت عرضًا، وضرب لهم فلوسًا أخرى؛ أفسد ما عندهم من الأموال بنقص أسعارها، فيظلمهم فيها، وظلمهم فيها بصرفها بأغلى سعرها.

وأيضًا فإذا اختلفت مقادير الفلوس، صارت ذريعة إلى أن الظلمة يأخذون صغارًا فيصرفونها، وينقلونها إلى بلد آخر، ويخرجون صغارها، فتفسد أموال الناس " (١)

وقد ذكر فقهاؤنا الأجلاء أن فساد النقود دليل على فساد السياسة، قال القاضي أبو يعلى: " وقد كان الفُرس عند فساد أمورهم، فسدت نقودهم"، ولذلك لم يُجوّز الحنابلة – في الرواية الراجحة – إنفاق المغشوشة، فقال أحمد في رواية محمد بن إبراهيم، وقد سأله عن المزيفة فقال: " لا يحلٌُّ "، قيل له: إنه يراها ويدري أي شيء هي؟ قال: " الغش حرام وإن بيّن " هذا إذا كان الغش بيّنًا، أما إذا كان الغش لا يظهر فلا يجوز، رواية واحدة " (٢)


(١) مجموع الفتاوى: ٢٩ / ٤٦٩.
(٢) الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى، ص ١٧٩ – ١٨٠؛ ويراجع المغني: ٤ / ٥٧؛ وراجع الأحكام السلطانية للماوردي، ص ١٧٦؛ والروضة: ٢ / ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>