ويمكن الإفادة من هذه الفتوى من عدة اعتبارات لها وجاهتها، وهي:
١- أن ابن عابدين قال معللًا ترجيح قوله هذا بأن " المسألة غير منصوص عليها بخصوصها، فإن المنصوص عليه إنما هو الفلوس والدراهم الغالبة الغش"(١) .
وعلى ضوء ذلك نقول في موضوعنا الخاص بالنقود الورقية: إنها غير منصوص عليها بعينها، بل هي جديدة ومستحدثة، فيجب النظر إليها والاجتهاد فيها على ضوء مقاصد الشريعة ومبادئها العامة من تحقيق العدالة والمساواة بين طرفي العقد، وعدم الإضرار والضرار.
٢- أن نقودنا الورقية هي مثل القروش التي ذكرها ابن عابدين، حيث لا يتعين بالتعيين، حيث قال:" وإنما الشبهة فيما يتعارفه الناس من الشراء بالقروش ودفع غيرها بالقيمة، فليس هنا شيء معين حتى تلزمه به سواء غلا أو رخص ".
ومن هنا يمكن أن يستأنس بالفتوى الشائعة في عصر ابن عابدين عام (١٢٣٠هـ) استقرت على:
" دفع أي نوع كان بالقيمة التي كانت وقت العقد، إذا لم يعين المتبايعان نوعًا والخيار فيه للدافع. . " فالذي اعترض عليه ابن عابدين هو أن يكون الخيار فيه للدافع، وأن يختص الضرر بالبائع، ولكن يستفاد منه دفع القيمة يوم العقد من حيث الجملة في النقود الورقية، وهذا ينفعنا في القول بأن النقود الورقية ليست مثلية دائمًا.
٣- يستفاد من مجموع ما ذكره ابن عابدين نظرية الأخذ بسلة العملات عند التقويم، والأخذ بالأوسط منها، كما سنوضحها فيما بعد.
٤- كما يستفاد منها أيضًا نظرية الربط بمؤشر معين للقروش؛ أي النقود غير الفضية والذهبية كما سيأتي.
٥- أن العقود لابد فيها من رعاية الرضا الحقيقي – كما قال بعض المفتين – وكذلك التساوي بين العاقدين في الحقوق، وفي توزيع الأضرار عليها إن تحققت، دون تخصيص أحدها بالآثار السلبية دون الآخر.