للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بلغني أن بعض المفتين في زماننا أفتى بأن تعطى بالسعر الدارج وقت الدفع، ولم ينظر إلى ما كان وقت العقد أصلًا، ولا يخفى أن فيه تخصيص الضرر بالمشتري، لا يقال ما ذكرته من أن الأولى الصلح في مثل هذه الحالة مخالف لما قدمته عن حاشية أبي السعود من لزوم ما كان وقت العقد بدون تخيير بالإجماع إذا كانت فضة خالصة أو غالبة؛ لأنا نقول ذاك فيما إذا وقع العقد على نوع مخصوص كالريال مثلًا، وهذا ظاهر كما قدمناه ولا كلام لنا فيه.

وإنما الشبهة فيما تعارفه الناس من الشراء بالقروش ودفع غيرها بالقيمة، فليس هنا معين حتى تلزمه به سواء غلا أو رخص.

ووجه ما أفتى به بعض المفتين كما قدمناه آنفًا أن القروش في زماننا بيان لمقدار الثمن لا لبيان نوعه ولا جنسه، فإذا باع شخص سلعة بمائة قرش مثلًا ودفع له المشتري بعد الرخص ما صارت قيمته تسعين قرشًا من الريال أو الذهب مثلًا، لم يحصل للبائع ذلك المقدار الذي قدره ورضي به ثمنًا لسلعته، لكن قد يقال: لما كان راضيًا وقت العقد بأخذ غير القروش بالقيمة من أي نوع كان، صار كأن العقد وقع على الأنواع كلها، فإذا رخصت كان عليه أن يأخذ بذلك العيار الذي كان راضيًا به، وإنما اخترنا الصلح لتفاوت رخصها وقصد الأضرار كما قلنا، وفي الحديث ((لا ضرر ولا ضرار)) . ولو تساوى رخصها لما قلنا إلا بلزوم العيار الذي كان وقت العقد، كأن صار مثلًا ما كان قيمته مائة قرش من الريال يساوي تسعين، وكذا سائر الأنواع، أما إذا أصر ما كان قيمته مائة من نوع يساوي تسعين ومن نوع آخر خمسة وتسعين ومن آخر ثمانية وتسعين، فإن ألزمنا البائع بأخذ ما يساوي التسعين بمائة فقد اختص الضرر به، وإن ألزمنا المشتري بدفعه بثمانية وتسعين اختص الضرر به، فينبغي وقع الصلح على الأوسط، والله تعالى أعلم (١) .


(١) تنبيه الرقود: ٢ / ٦٦ – ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>