وفي نهاية هذه المناقشة لمفهوم المثلية بالنسبة للنقود الورقية والائتمانية المعاصرة، أعتقد أن البعض لن يستريح من القول بأن هذه النقود يمكن أن تكون مثلية أو تكون قيمية. وما ذلك إلا لأننا قد درجنا على تصنيف الأشياء على أنها إما مثلية أو قيمية، ولم يتطرق إلى أذهان أهل الفقه والعلم قديمًا أنه سيكون هناك نقد اصطلاحي بحت بالإلزام القانوني أو بالعرف التجاري يصل في قوته الشرائية إلى ما وصل إليه الذهب قديمًا، ولكنه يمكن أن يهبط في قوته الشرائية إلى ما هبطت إليه الفلوس أو أقل، إذا أسيئت إدارة كميته، وأن هذا الأمر لا يحدث أبدًا فجأة، وإنما على مدى الأجل الطويل. ومن ثم فإن اعتبار الزمن والتغيرات النسبية المتعلقة بالزمن لابد من أخذهما في الحكم على هوية النقود المعاصرة في أنها مثلية، وقد تبقى كذلك أو تتغير إلى قيمية، إنه شيء جديد لم يعرف السابقون شبيهًا له إلا جزئيًا في حالة الفلوس، ولكنهم لم يعرفوه كما نعرفه نحن الآن على سبيل التأكيد (١) .
(١) أعجبتني كلمات الإمام الشوكاني، قال: " إطلاقهم على الشيء الذي تساوت أجزاؤه أنه مثلى، وعلى ما اختلفت أجزاؤه أنه قيمي هو مجرد اصطلاح لهم "، السيل الجرار، تحقيق إبراهيم زايد، دار الكتب العلمية، بيروت: ٣ /٣٦٠.