للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السادس – أن الذين دعوا إلى رد القرض بقيمته نظروًا إلى الانخفاض فقط، ولو أخذ بالقيمة لوجب النظر إلى الزيادة والنقصان معًا.

والحقيقة هي أننا نستطيع أن نلتزم بالاثنين معًا على ضوء القدرة الشرائية لكل منهما بملاحظة العدل العام ولا مانع في ذلك، إذا كان التغيير فاحشًا.

السابع – قيل: إن التضخم من مساوئ النظام النقدي المعاصر، فهل المقترض هو الذي يتحمل هذه المساوئ؟ ولماذا لا نبحث عن نظام نقدي إسلامي نقدمه للعالم؟

ومثل هذا لا يمكن أن يعد اعتراضًا وجيهًا بعد التسليم بالأدلة المذكورة، نعم علينا أن نقدم البديل الإسلامي للعالم للتخلص من مثل هذه المساوئ.

الثامن – وقيل: إن القرض عقد إرفاق له ثوابه وجزاؤه من الله عز وجل، وقد ينتهي بالتصدق {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢٨٠] ، فكيف اتجهت الأنظار إلى المقترض بالذات ليتحمل فروق التضخم.

والحقيقة هي أن الآيات التي منعت من الربا في القرض أو المعاوضة قررت مبدأ العدالة {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: ٢٧٩] ، والمدعي لهذا الرأي يركز على اقتضاء العدالة لذلك على أن الدليل أضيق من المدعي؛ لأنه يختص بعقد القرض فقط، والمدعي يشمل كل مبلغ مؤجل.

التاسع – أن تغيير قيمة النقود لا يظهر في القروض والديون فقط، وإنما يظهر أيضًا في عقود أخرى، فمؤجر العقار مثلًا في معظم البلاد الإسلامية ليس من حقه إنهاء واسترداد ما يملك إلا بموافقة المستأجر، ولهذا يمتد العقد عشرات السنين، وقد تصبح قيمة الإيجار لا تزيد عن واحد واثنين في المائة من قيمة النقود عند بدء العقد.

ونحن لم نستطع أن نتعرف على وجه الاستدلال هنا، وهل نستطيع أن نحاكم الإسلام على ضوء قوانين وضعية؟ فإذا ما افترضنا أن الإلزام جاء من حكومة إسلامية كان من الطبيعي أن يلاحظ الحكم الشرعي مقتضيات العدالة الإسلامية، فيفترض شروطًا للتخلص من عوارض التضخم.

العاشر – علينا أن نعمم هذا المعنى لمجمل الحياة، فالموظف الذي يبقى راتبه ثابتًا لا يستطيع أن يفي بمقتضيات الزيادة العددية التي تعوض نقص القيمة، ما لم نعمل على تعويضه شخصيًا عما أصابه.

وهذا أمر طبيعي يجب الالتفات إليه، أنه لا يمكن أن يؤثر في نتائجنا (١) .

الحادي عشر - وقيل:إن المالية الاعتبارية للأوراق النقدية منتزعة من اعتبار من بيده الاعتبار، وهي مالية غير مضمونة، وبتعبير آخر فإن العين بما لها من الخصوصيات تكون في العهدة إلى حين الأداء، وهي في القرض حين الأداء لا قيمة لها، فلا وجه لتدارك القيمة، قيمة يوم الأخذ والفائت، إنما هو اعتبار المعتبر لا شيء من المأخوذ (٢) .

وهذا الأمر غريب حقًا؛ وذلك أن حقيقة الأوراق النقدية ليست سوى الاعتبار المعطي من قبل المصدر، فإذا جردناها منه فلا قيمة لها ولا خصوصيات.


(١) راجع لمعرفة تفاصيل أمثال هذه الاعتراضات مقال الأستاذ الدكتور السالوس في مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدورة الثالثة، ص ١٨٠٩ – ١٨١٥.
(٢) المسائل المستحدثة للروحاني، ص ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>