للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكواغد وقطع الجلود ونحوهما ليست كذلك، بخلاف الفلوس، فإنها وإن كانت من معادن أقل من معدن الذهب والفضة، إلا أنها ذات قيمة أصلية يعتد بها ولا يخفى أن هذا الفرق إنما يظهر في كواغد وقطع جلود قيمتها تافهة، أقل من قيمة قطع النحاس والرصاص، أما إذا كانت مصنوعة من كنود وجلود جيدة بصفة تجعلها في درجة الفلوس وترفعها إلى قيمتها أو أعلى فلا يظهر الفرق المذكور، إذ أصل كل منهما عروض جعلت أثمانًا ورؤوس أموال كغيرها من المقومات، وحيث تكون الكواغد وقطع الجلود كالفلوس يجري فيها الخلاف المذكور، ومثل ما إذا اتخذت نقود من جواهر نفيسة غير الذهب والفضة وتعومل بها بين الناس، فحكمها كالفلوس مع أنها ذات قيمة عالية، فيجري فيها الخلاف المذكور، وإن كان المعتمد عند المالكية تخصيص الزكاة في الأثمان بالنقدين وأنها للثمنية الخلقية التي لا يشترك فيها مع النقدين غيرهما من المعدن والنبات، سواء كان جواهر أو فلوسًا أو كواغد أو قطع جلود أو غيرها، والكلام في زكاتها زكاة النقدين الواجبة على المالك مطلقًا تاجرًا أو غيره، وأما إذا اتخذت التجارة فلا نزاع في زكاتها زكاة للعروض باعتبار قيمتها، كما تقدم في زكاة الفلوس النحاس سواء، والظاهر أن القيمة تعتبر حسب التعامل بها لأن الانتفاع منوط بها دون قيمتها الذاتية قلت أو كثرت، ولأن الوجوب في أموال التجارة معلق بالمعنى وهو المالية والقيمة، والأموال كلها في هذا المعنى جنس واحد، ولذا لا تختلف أصنافها فيما يزكي ولا فيما يخرج من قيمتها حبوبًا وحيوانًا ومعدنًا ونباتًا، وعلى ذلك فمجرد اتخاذ الكواغد وقطع الجلود أثمانًا رائجة يصيرها كالنوقد أو كسلع التجارة، كما تقدم في الفلوس عند الحنفية. وفي حواشي الرهوني قال مالك في الفلوس: لا خير فيها نظرة بالذهب ولا بالورق، ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين، لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة، ولا يجوز فلس بفلسين. وفي موضع آخر: ولو جرت الجلود بين الناس مجرى العين المسكوك لكرهنا بيعها بذهب وورق نظرة.اهـ. وجرت عادة الإمام رضي الله عنه أن يعبر بالكراهة عما يشمل الحرمة، وهو ظاهر في أن الكواغد وقطع الجلود ونحوها متى جرى التعامل بها كانت كالفلوس سواء.

<<  <  ج: ص:  >  >>