للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا فيما يخص الأجور والمرتبات، وأما بالنسبة لغيرها من أنواع الالتزامات فإنه يمكن أن يقال فيها ما يلي:

١- الودائع المصرفية تحت الطلب: لا يجوز التعويض عن نقصانها لأنها قروض، والإلزام بالزيادة فيها يقود إلى الربا، والنهي عن الغرر وما يؤدي إليه إنما ورد في عقد البيع؛ لكون ذلك مظنة لأكل أموال الناس بالباطل، وهذا موجود في كل عقد معاوضة مالية؛ لأن المال مقصود فيه (١) ، أما عقد القرض فإنه يختلف عنها؛ لأنه عقد إرفاق، وما يحصل فيه من نقص المالية بالنسبة للمقرض يعوضه ما يحصل عليه من الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله.

٢- الأمانات، كأموال المضاربة والمشاركة والوديعة وما بيد الوكيل من مال موكله ونحو ذلك , وهذه لا تدخل فيما سبق من القول بمشروعية التعويض عن النقص الحاصل بسبب التضخم؛ لأن ما يعد من أموال الأمانات لو تلف بالكلية في يد الأمين فإنه لا يضمن شيئًا، فمن باب أولى فيما لو نقصت قوتها الشرائية بسبب التضخم، إلا في حال التعدي أو التفريط، فإنه يضمن ما تعدى أو فرط فيه؛ لأنه يصبح بتعديه أو تفريطه ظالمًا معتديًا، ومثال ذلك لو دفع رجل مالًا لآخر مضاربة وشرط عليه أن يتجر به في العقارات فقط، فوضعه في المواشي فهلكت، فإنه يضمن لتعديه.

وكذلك إذا أودع لديه مالًا وطلب منه أن يضعه في صندوق حديدي معين وأن يغلقه، فتركه في مرة من المرات غير مغلق، فسرقه اللصوص، فإنه يضمن لتفريطه (٢) .

٣- الضمانات، كالنقود المغصوبة وبدل المتلفات إذا حبست عن أصحاب الحق حتى نقصت بسبب التضخم نقصًا فاحشًا، فإنه يتجه القول بتعويض ما حصل من نقص بسبب التضخم؛ لأن الغاصب ظالم معتد والمغصوب منه مظلوم لا ذنب له، فوجب أن يتحمل الظالم تبعة ظلمه.

وكذلك بدل المتلف؛ فإن صاحب المال المتلف – نقدًا كان أو غيره – تعلق حقه بماله، فإذا اتلف متلف بتعد أو بغيره، فإنه يضمن لصاحب الحق ما فات من حقه بما يضمن له حصوله على مثله.

٤- المدين المماطل وغير المماطل: المطل هو التأخير في أداء الحق، وقد يكون هذا من الظلم فيما إذا كان فاعله قادرًا على الوفاء، كما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: (( ((مطل الغني يحل عرضه وعقوبته)) )) (٣) ، وقد لا يكون من الظلم إذا كان المدين عاجزًا عن الوفاء بالحق لصاحبه، وفي كلا الحالين فإن الضرر يلحق صاحب الحق، بنقصان ماله بسبب التضخم، إلا أنه انضم إلى الحال الأول الظلم، وخلت عنه الحال الثانية.


(١) الدكتور الصديق الضرير، الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي.
(٢) انظر: ابن نجيم، الأشباه والنظائر، ص ٢٧٥ وما بعدها.
(٣) رواه البخاري في صحيحه في باب مطل الغني ظلم، من كتاب الاستقراض وفي مواطن أخرى: ٣ / ١٥٥؛ ومسلم في صحيحه في باب تحريم مطل الغني وصحة الحوالة من كتاب المساقاة: ٥ / ١١٩٧؛ ح ١٥٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>