للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢) زكاة الفلوس الجدد

وهي المتخذة من غير الذهب والفضة كالنحاس والرصاص والحديد ونحو ذلك، فهذه وإن لم يرد نص بوجوب زكاتها، بل الظواهر والورادة في زكاة الأثمان المطلقة دالة على عدم وجوب الزكاة فيها، ولكن وقع للعلماء في زكاتها خلاف بعد ضربها واتخاذها للتعامل، مبناه كما هو ظاهر على الخلاف في تعلق الوجوب بالنقدين، هل هو معلوم فيدخله القياس؟ أو ليس بمعلول فلا يدخله؟ وتقدمت الإشارة إليه في المطلب الأول، وفي الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني ما نصه: أفهم اقتصاره، أي للصنف كغيره من الصنفين على الذهب والفضة أن الفلوس الجدد لا زكاة فيها، وهو كذلك، قال في الطراز المذهب: لا زكاة في أعيانها، وظاهره ولو تعومل بها عددا خلافًا لبعض الشيوخ. اهـ. وفي حواشي ابن تركي على العشماوية ما نصه: لا زكاة في الفلوس النحاس المسماة بالجدد على المعتمد. اهـ.

ونقل خاتمة أبو عبد الله محمد عليش في فتاويه عن صاحب الطراز أن المذهب عدم وجوب الزكاة في عينها؛ إذ لا خلاف أنه لا يعتبر وزنها ولا عددها، وإنما المعتبر قيمتها فلو وجبت في عينها لاعتبر النصاب من عينها ومبلغها لا من قيمتها كما اعتبر في الورق والذهب والحبوب والثمار، فمتى انقطع تعلقها بعينها جرت على حكم جنسها من النحاس والحديد وشبهه. اهـ. فقوله: جرت على حكم جنسها، أي فتزكى زكاة العروض باعتبار قيمتها من الدنانير والدارهم كما يزكى النحاس والحديد.

وفي حواشي ابن عابدين من كتب الحنفية ما نصه: "فرع في الشرنبلالية": "الفلوس إن كانت أثمانًا رائجة أو سلعًا للتجارة تجب الزكاة في قيمتها، وإلا فلا".اهـ.

وفي فتاوي قاري الهداية: الفتوى على وجوب الزكاة في الفلوس إذا تعومل بها، وبلغت ما يساوي مئتي درهم أو عشرين مثقالاً من الذهب. اهـ. فأفاد أن كونها أثمانًا رائجة بمنزلة كونها سلعًا للتجارة، فتجب فيها الزكاة، وبالضرورة لا تجب في عينها وزنًا أو عددًا، بل في قيمتها كما سيأتي، ولا شك أن خلاف العلماء في زكاتها على هذا الوجه مع عدم وجود نص من الكتاب أو السنة بزكاتها أو بعدم زكاتها؛ يدل على وجود خلاف في تعليل زكاة النقدين، فإن كانت معلولة قيس عليها زكاة الفلوس وإلا فلا، ولكن لا على اعتبار النصاب من عينها، بل على اعتباره من قيمتها ذهبًا أو فضة، وذكر صاحب الطراز عن أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما وجوب الزكاة في عينها مع تعلقها بقيمها، وهو يؤيد قول بعض المالكية بوجوب زكاتها.

وفي حواشي الرهوني علي عبد الباقي قال عياض في تنبيهاته: اختلف لفظه (أي الامام) في الفلوس بحسب اختلاف رأيه في أصلها، أهي كالعرض أو كالعين؟ فله هنا، أي في باب الصرف والتشديد، وأنه لا يصلح فيها النظرة، أي التأخير، ولا تجوز، فشبهها بالعين، وظاهره المنع جملة كالفضة والذهب، ثم قال: وليست كالدنانير والدراهم في جميع الأشياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>