للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١- مفهوم التضخم (١) :

من المهم هنا الإشارة إلى أن الاقتصاديين أكدوا في هذا الصدد على ناحيتين؛ الناحية الأولى ارتفاع المستوى العام للأسعار، والناحية الثانية انخفاض القيمة الحقيقية للعملة أو النقود. وكلتا الناحيتين هما في نظر البعض وجهان لحقيقة واحدة، بينما لا يرى البعض الآخر ذلك. فإذا نظرنا لناحية الأسعار علمنا أن التضخم هو ارتفاع مستمر ومتواصل في المستوى العام للأسعار، وأحب أن يلتفت القارئ الكريم إلى مفردات هذا المفهوم، فالتضخم ارتفاع في الأسعار وليس هو أسعار مرتفعة، ثم إنه ارتفاع مستمر ومتواصل وليس مجرد ارتفاع حدث مرة ثم زال أو استقر. ومعنى ذلك أنه لو حدث ارتفاع في الأسعار مرة واحدة لا نكون أمام ظاهرة التضخم مهما كان الارتفاع كبيرًا، مثل أن يكون السعر في الأصل مائة ثم نظرًا لظروف ما أصبح مائة وخمسين وثبت عند ذلك، فلا يعد هذا تضخمًا، بينما لو كان السعر مائة ثم أصبح مائة وعشرة ثم أصبح مائة وثلاثين مثلًا كنا أمام التضخم، ومن هنا قال الاقتصاديون: التضخم هو ارتفاع في الأسعار وليس أسعارًا مرتفعة. والمشكلة هنا أنه ليس لديهم معيار موضوعي يحدد طول المدة ولا عدد المرات التي يمكن أن يقال عندها: إننا أمام ظاهرة التضخم.

وأهيب بالسادة القراء الاحتفاظ في الذاكرة بهذه المعلومة لأننا سنرجع إليها.

ثم إن الذي يرتفع ليس هو سعر سلعة أو سلعتين أو ثلاث، وإنما هو المستوى العام للأسعار في المجتمع، أي أسعار السلع والخدمات في مجملها. فلو ارتفع سعر سلعة أو سلعتين بينما هبطت أسعار سلع أخرى الأمر الذي يجعل المتوسط لا يرتفع، فإننا لن نكون أمام ظاهرة التضخم. وأخيرًا يلاحظ أن الارتفاع السعري لم يتقيد بحدود معينة، مثل ارتفاع الأسعار بنسبة (١٠ %) أو (٢٠ %) إلخ. مما يعني أن مجرد حدوث ارتفاع متواصل في المستوى العام للأسعار يحقق التضخم، بغض النظر عن معدلاته، وهذا ما ذهب إليه كثير من الاقتصاديين، وإن كان البعض يذهب إلى أنه كي نكون أمام تضخم فلابد من ارتفاع سعري بحد معين، لكن ما هو هذا الحد؟ لا نجد إجابة صريحة قاطعة، وهذا لا يقلل من وجاهة هذا الرأي، فليس أي تغير وإن تواضع في المستوى العام للأسعار يعد تضخمًا، وخاصة إذا ما كنا بصدد وضع سياسات لمعالجة التضخم ومواجهة آثاره.


(١) مايكل أبدجمان، الاقتصاد الكلي، ترجمة د. محمد إبراهيم منصور، دار المريخ، الرياض، ص ٣٦١؛ د. نبيل الروبي، التضخم في الاقتصاديات المختلفة، مؤسسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية،ص ١٢؛ باري سيجل، النقود والبنوك والاقتصاد، ترجمة د. عبد الفتاح عبد المجيد، دار المريخ، الرياض، (١٩٨٧ م) ، ص ٥٥٤؛ د. شوقي دنيا، التضخم والربط القياسي، مجمع الفقه الإسلامي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثامن، الجزء الثالث، (١٩٩٤ م) ، ص ٥٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>