للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الربط القياسي بمؤشر تكاليف المعيشة:

سبق أن أشرنا إلى الأرقام القياسية وإلى مفهوم الربط القياسي، وعندما اشتدت حدة مشكلة التضخم في الكثير من الدول واستفحلت آثارها التوزيعية وغيرها؛ لجأت بعض الدول إلى استخدام أسلوب الربط القياسي، ظنا منها أن ذلك يحقق قدرًا من الاستقرار في قيمة هذه الحقوق والالتزامات، وغالبًا ما كان يستخدم في ذلك مؤشر تكاليف المعيشة، وقد حبذ هذا الأسلوب ونادى به بعض الاقتصاديين الوضعيين، من منطلق أنه يسهم في علاج آثار التضخم، بينما ذهب فريق آخر من الاقتصاديين إلى رفض هذا الأسلوب؛ لما له من آثار اقتصادية سلبية على عملية التضخم ذاتها، من حيث توطنها واستفحالها، وكذلك على عملية تخصيص الموارد، إضافة إلى أن هذه الأرقام القياسية لم توجد أساسًا لهدف عملية الربط بها، كما أن تعبيرها عن المستوى العام للأسعار مشكوك فيه بقوة (١) . ومع هذا الخلاف الحاد بين الاقتصاديين الوضعيين صناع هذه الأرقام وأصحابها، فإن الفقهاء والاقتصاديين الإسلاميين أقبلوا على دراسة وتناول هذا الحل، وقد حدث ما هو مرتقب، فجاءت المواقف بدورها مختلفة، فريق يؤيد وفريق يعارض. وقد استخدم الفريقان الحجج الاقتصادية المعروضة من قبل، مضيفين إليها حججًا شرعية يؤيد بها كل فريق موقفه، وأبرز الحجج هنا الربا والعدالة والغرر والجهالة والخروج على النصوص، وكذلك الخروج على مقتضيات قاعدة المثلي والقيمي، إضافة إلى استشهاد كل فريق بما فهمه من مواقف الفقهاء القدامى، وأخذ كل فريق يدفع اعتراضات الفريق الآخر، ومن مواطن الاشتباه القوية هنا أن كلا الفريقين اعتمد جزئيًا على حجج واحدة، فكلاهما استند إلى مبدأ العدالة، بل كلاهما استند إلى مبدأ عدم الغرر والجهالة، بل لقد وصل الأمر إلى أن كليهما استخدم حجة الربا في دعم موقفه، وبعد المحاورات الجادة المستمرة كنا نتوقع وصول الفريقين إلى كلمة سواء وإلى موقف موحد، لكن هذا لم يحدث، ولا يتوقع له أن يحدث.

وبالنظر الدقيق في كل ما طرح وقيل، وبالنظر الاقتصادي المحض، وبدون توهين هذا الموقف أو ذاك، فإنني أرى أن الأفضل والأولى الإعراض عن هذا الحل، خروجًا من الخلاف من جهة، ولما له من آثار سلبية اقتصادية غير منكورة، وبوجه خاص ما يرتبه من تشويه قوي في تخصيص الموارد، بما يؤثر على كفاءة الاقتصاد الوطني (٢) ، وإضافة إلى هذا كله وجود حلول أخرى أكفأ اقتصاديًا وأقرب إلى الصواب والحق شرعيًا.


(١) مايكل أبدجمان، مرجع سابق، ص ٤٣٢؛ البنك الدولي، تقرير التنمية، (١٩٨٩ م) ، ص ٩١؛ د. محمد القري، مؤشرات وضوابط الربط القياسي، الحلقة الثانية للتضخم، كوالا لمبور، (١٩٩٦ م) .
(٢) د. محمد عمر شابرا، نحو نظام نقدي عادل، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، واشنطن، ص ٥٧؛ د. محمد صديق الضرير، تعقيب على بحث معالجة التضخم على مستوى البنوك الإسلامية والأفراد، حلقة التضخم الثانية، كولامبور، (١٩٩٦ م) ؛ د. معبد الجارحي، ملاحظات أساسية حول موضوع الربط القياسي، حلقة التضخم الثانية، (١٩٩٦ م) .

<<  <  ج: ص:  >  >>