للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تطبيق مبدأ وضع الجوائح الظروف الطارئة:

تحت ضغط الحاجة إلى إيجاد حل يعالج الآثار السلبية على أحد أطراف التعاقدات الآجلة الناشئة عن التضخم وتغير قيمة العملات بما يحقق العدالة ويزيل الضرر، ونظرًا لوجود مثالب عديدة شرعية واقتصادية لطرق العلاج القائمة على فكرة الربط، فقد ذهب كثير من الفقهاء إلى حل هذه المشكلة من خلال تطبيق مبدأ وضع الجوائح، وما يعرف حديثًا بنظرية الظروف بالطارئة، وما أسماه الفقيه المالكي الشهير ابن رشد الحفيد بأحكام الطوارئ.

والفكرة في ذلك اعتبار النقص الذي طرأ على القيمة الحقيقية للعملة من قبيل الجوائح أو الظروف الطارئة، وقد قال جمهور الفقهاء بوضعها عن المشتري والمستأجر وما يلحق بهما.

ويجري العمل بهذا الحل على أساس قيام التعاقد بشكل عادي تمامًا، وعند الوفاء ينظر: هل هناك هبوط في قيمة العملة؟ وهل بلغ هذا الهبوط مقدار الثلث عند من يقول بوضع الجائحة إذا بلغت الثلث أو بلغت حدًا غير مألوف ومعتاد عند من يقول بذلك في وضع الجوائح؟ فإن كان مقدار الحق يزاد بمقدار ما طرأ من نقص على القيمة، فمثلًا لو قلنا بالثلث، وبلغ النقص في القيمة ثلثها وكان الحق (٦٠٠) جنيهًا، فمعنى ذلك أن يأخذ صاحب الحق (٦٠٠ + ٢٠٠ = ٨٠٠) جنيهًا، وذلك جبرًا عما لحق قيمة حقه من نقصان، وبذلك نكون قد وضعنا عنه الجائحة، ورغم كثرة من قال بهذا الحل من الفقهاء المعاصرين والاقتصاديين الإسلاميين (١) فإنه بدوره لم يسلم تمامًا من الاعتراض من بعض الفقهاء، ومبنى الاعتراض أساسًا ما هنالك حسب رأيه من فروق جوهرية بين التضخم أو تغير قيمة العملة وبين الجائحة، فالجائحة وردت فقط في الثمار، كما أنها وردت في نقص المقدار وليس نقص القيمة، ولم يقل أحد من العلماء بوضع الجائحة إذا ما أصاب الثمر رخص حتى ولو كان فاحشًا، كما أنها ترجع إلى فعل سماوي وليس إلى فعل بشري.

ثم إن العمل به يتوقف على الربط، حتى نتعرف على مقدار التغير الذي حدث في قيمة النقود، والحل عن طريق الربط مرفوض؛ لما فيه من محاذير شرعية، وأخيرًا فإن القائلين بذلك يحتفظون على كون الحكمة من وضع الجائحة هي إزالة الظلم ورفع الضرر، فيقولون: أي ظلم ارتكبه البائع في حق المشتري الذي أصابت السماء ثمره؟ ويقولون: أي ضرر لحق بالمشتري من نقص كمية الثمر؟ والمعروف طبقًا للقوانين الاقتصادية أن الأسعار ترتفع عند نقص الكمية المعروضة، وبالتالي فلن يضار المشتري بل ربما يستفيد.


(١) وقد عرض الشيخ عبد الله بن بيه موضوع التضخم والجوائح عرضًا مفصلًا قيمًا، تطبيق مبدأ وضع الجوائح، بحث مقدم لحلقة التضخم الثالثة، (١٩٩٧ م) ؛ وانظر د. علي القره داغي، الحالات الاستثنائية من مبدأ الوفاء بالمثل، بحث مقدم للحلقة الثالثة للتضخم، (١٩٩٧ م) ؛ وانظر تعقيب فضيلة الشيخ الكبير محمد المختار السلامي عليه؛ د. صالح المرزوقي، ربط الدين والالتزامات الآجلة بالذهب أو بعملة معينة، بحث مقدم للحلقة الثالثة للتضخم، (١٩٩٧م) .

<<  <  ج: ص:  >  >>