للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالبحث والتقصي فيما قدمه الفقهاء في هذا الموضوع تبين لنا أن الكثير منهم لم يقف بالجائحة عند الثمار، بل عداها إلى كل مال أصيب بأذى بالغ، كما لم يقف بها عند الفعل السماوي، بل أدخل أيضًا الفعل البشري، وكذلك لم يقف بها عند إصابة المقدار أو الكمية بل عداها إلى إصابة القيمة، ولم يقف بها عند البيوع بل عداها إلى الإجارات، وهذه بعض نصوص الفقهاء الصريحة في ذلك يقول القرافي:

" في الجواهر: قال ابن القاسم: هي ما لا يستطاع دفعه إن علم به، فلا يكون السارق جائحة على هذا، وجعله في (الكتاب) جائحة، وقال مطرف وعبد الملك: هي الآفة السماوية كالمطر وإفساد الشجر دون صنع الآدمي، فلا يكون الجيش جائحة، وفي (الكتاب) جائحة.

وفي (الكتاب) الجائحة الموضوعة كالجراد والنار والريح والبرد والغرق والطير الغالب والدود وعفن الثمرة والسموم، واختلف إذا أسقطها الريح ولم تتلف، قال ابن شعبان: جائحة، وقال عبد الملك: ليس بجائحة لبقاء عين الثمرة، وقيل: يخير كالعيب، واختلف في الماء يباع يسقى به مدة معينة فينقص عن ذلك، قيل: من البائع قليله وكثيره لأن السقي مشترى، وقيل: إن كان أقل من الثلث لم يحط عنه شيء، قال ابن يونس: لو مات دود الحرير كله أو أكثره، والورق لا يراد إلا له الأشبه أنه جائحة، كمن اكرتى فندقًا فخلا البلد، لتعذر قبض المنفعة، قال: وكذلك عندي لو انجلى أهل الثمرة عنها ولم يجد المشتري من يبيعه " (١) .

وانظر هذا النص في (ابن شاس) (٢) ، وانظره مع شرحه المفصل لدى الباجي (٣) (٣) . وقد نقل ذلك خليل في متنه، ونقل ما هو واضح حيث يقول: " وتعيبها كذلك " ويشرح الدردير هذه العبارة بقوله: " أي كذهاب عينها فيوضع عن المشتري إن نقص ثلث قيمتها فأكثر، ولا ينظر إلى المكيلة، فالتشبيه في مطلب الوضع لا يفيد المكيلة، فإن أصابها غبار أو عفن من غير ذهاب عينها، فإن نقصت ثلث القيمة اعتبرت وإلا فلا " وشرح الدسوقي عبارة الدردير قائلًا: " يعني أن الثمرة إذا لم تهلك بل تعيبت بغبار وشبه، فإن ذلك جائحة تحط بالشرط السابق، لكن يعتبر هنا نقص ثلث القيمة لا نقص ثلث المكيلة، كما في ذهاب العين. قال في التوضيح: فإن لم تهلك الثمار بل تعيبت فقط كغبار يصيبها أو ريح يسقطها قبل أن يتناهى طيبها فنقص ثمنها، ففي البيان المشهور أن ذلك جائحة، ينظر لما نقص هل ثلث القيمة أم لا؟ وقال ابن شعبان: ليس ذلك بجائحة وإنما هو عيب، والمبتاع بالخيار بين أن يمسك أو يرد " (٤) .

وقد فصل القول في ذلك تفصيلًا شافيًا ابن تيمية رحمه الله قائلًا:: مسألة في وضع الجوائح في المبايعات والضمانات والمؤاجرات مما تمس الحاجة إليه، وذلك داخل في قاعدة تلف المقصود المعقود عليه قبل التمكن من قبضه " (٥) .


(١) القرافي، الذخيرة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، (١٩٩٤ م) : ٥ / ٢١٢.
(٢) ابن شاس، عقد الجواهر الثمينة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، (١٩٩٥ م) : ٢ / ٥٣٠.
(٣) الباجي، المنتقى شرح الموطأ، دار الكتاب العربي، بيروت: ٤ / ٢٣٢.
(٤) الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار إحياء الكتب بالعربية بالقاهرة: ٣ / ١٨٥.
(٥) ابن تيمية، مجموع الفتاوي: ٣٠: ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>