للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما عن الضرر والظلم فقد ورد في ذلك نص نبوي صحيح، ففي مسلم: (( ((لو بعت من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟)) )) هذا الحديث الشريف ينص على أن عدم وضع الجائحة هو أخذ لمال الغير بغير حق، ألا يعد ذلك ظلمًا؟ حقًا إن البائع لم يظلم المشتري في إنزال الجائحة، لكنه ظلمه في عدم وضعها إذا نزلت. وفي ذلك يقول ابن تيمية كلاما نفيسًا: " فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح أنه إذا باع ثمرًا أصابته جائحة فلا يحل له أن يأخذ منه شيئًا، ثم بين سبب ذلك وعلته فقال: بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ وهذا دلالة على ما ذكره الله تعالى في كتابه من تحريم أكل المال الباطل، وأنه إذا تلف المبيع قبل التمكن من قبضه كان أخذ شيء من الثمن أخذ مال بغير حق، بل بالباطل، وقد حرم الله أكل المال الباطل؛ لأنه من الظلم " ويواصل شرحه لهذا الموقف قائلًا: " ذلك أن المعاوضة كالمبايعة والمؤاجرة مبناها على المعادلة والمساواة من الجانبين، لم يبذل أحدهما ما بذله إلا ليحصل له ما طلبه، فكل منهما آخذ معط، طالب مطلوب، فإذا تلف المقصود بالعقد المعقود عليه قبل التمكن من قبضه لم يجب على المؤجر – أعتقد أنه المستأجر – أو المشتري أداء الأجرة أو الثمن " (١) . إذن مجرد عدم إسقاط ما لحق بمن أذى يعد ضررًا ولا يلتفت بعد ذلك للموقف الاقتصادي، وما إذا كان سيستفيد المشتري من الجائحة أم لا، وبفرض استفادته فإن وضع الجائحة عنه يفيده أكثر، وهو حقه قد حرم منه، ففيه ضرر وظلم.

فهل يمكن في ضوء ذلك إدخال التضخم في نطاق الجائحة أوإلحاقه بها، أو في نطاق الظروف الطارئة، أو بالتعبير الفقهي أحكام الطوارئ؟ قال بذلك كثير من العلماء، بجامع الضرر وعدم استيفاء أحد الطرفين كامل حقه، وكون الأذى فيها غير مقدور على دفعه، ثم إن هذا الحل لا يعتمد على أسلوب الربط الذي هو محل ملاحظات.

وهل يمكن عند التعاقد اشتراط تطبيق مبدأ وضع الجوائح أو اشتراط عدم تطبيقه إذا ما حدث تضخم؟ في تناول الفقهاء لموضوع الجائحة قالوا: إنه لا يحق للبائع أن يشترط هذا الشرط، أما المشتري فذلك حقه، اشترطه في العقد أو لم يشترط. فهل هناك ما يمنع من تطبيق ذلك في موضوعنا؟ تبقى مسألة مقدار الجائحة الموضوعة، وهناك خلاف بين الفقهاء، قيل الثلث، وقيل ما يصدق عليه أنه جائحة عند أهل الخبرة. وكلا الرأيين له وجاهته، وإن كان الأخير أوجه.

وفي اعتقادي أن هذا الحل من أنسب الحلول لما نحن بصدده من تغير قيمة العملة، ولا بأس من تقديم العلماء ما يرون من ضوابط تجعله يحقق المقصود منه على الوجه المرضي.


(١) ابن تيمية، مجموع الفتاوي: ٣٠: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>