للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تطبيق مبدأ تعين العملة:

اهتمت الشريعة اهتمامًا فائقًا بالمعقود عليه في مختلف العقود المالية وغيرها. وحيث إن عقود المفاوضات تقوم على بذل كل طرف من أطراف التعاقد مالًا بهدف الحصول على مقابله من الطرف الآخر. فقد اشترط الإسلام لصحة ذلك تحقيق الرضى من كلا الطرفين , والرضى الحقيقي لا يقوم على جهالة كبيرة بالمعقود عليه من أي من الطرفين، إذ كيف يرضى الإنسان بشيء لا يدرك أبعاده، ومن هنا كانت معلومية المعقود عليه لدى كل من الطرفين من شروط صحة المعاوضات المالية. وفي إطار ذلك ظهرت مسألة العيوب التي قد تكون في المعقود عليه، ومعنى وجود عيب فيه أن فيه نقيصة ما قد تؤثر جوهريًا في ركن التراضي. ومن ثم تطلب الأمر دراسات فقهية مفصلة لمسألة العيوب في المعقود عليه في العقود المختلفة، حتى ما كان فيه غير مالي بطبيعته، وهذا ما قام به الفقه الإسلامي في الماضي خير قيام، وما ينبغي أن يقوم به الفقهاء في كل عصر ومكان، حيث إن العيوب متنوعة متجددة لا سيما أن مرجعها العرف، وهو متغير من مكان لمكان ومن زمان لزمان، ويترب على ذلك خطأ تحكيم أقوال فقهية سابقة في هذا المجال على ما يحدث الآن بشكل مطلق، وحيث إننا نعيش مشكلة التضخم المستمر والجامح الذي يعرض النقود للتآكل المستمر والسريع في قيمتها الحقيقية، وحيث إن نقودنا من حيث مادتها ومن حيث الآليات الحاكمة لها مختلفة عن النقود في العصور السابقة، وحيث إنها تعد معقودًا عليه كأجر أو ثمن أو قرض أو صداق أو رأسمال ... إلخ في العديد من العقود، كان لابد من عناية الفقه المعاصر بما يعتري هذه النقود من عيوب، مستفيدا في ذلك مما يقدمه الاقتصاد من معلومات فنية، ومن هنا تجئ أهمية دراسة التضخم ومدى اعتباره عيبًا في نقودنا، ومن ثم تطبيق الأحكام الشرعية حياله. وبالفعل فقد قدمت أفكار وآراء ودراسات فقهية في هذا الصدد (١) .

١- نقطة البدء تحديد دقيق لمفهوم العيب: وفي هذه النقطة لن نجد خلافًا يذكر بيننا وبين الفقهاء القدامى، إن الخلاف قد يكون في المصادقات والأفراد الداخلة في الماهية والمضمون، فمثلًا قال الفقهاء: إن انقطاع النقود عيب فيها، واليوم وجود هذا الشيء غير وارد، فلو حكمنا ما مضى في الحاضر لنتج عن ذلك القول بعدم وجود عيوب في نقودنا الحاضرة. مع أن حقيقة الحال قد تكون غير ذلك، ومع أن مفهوم وماهية العيب تتسع لصور أخرى قد تكون موجودة.

إذن ما هو العيب في المعقود عليه؟ نذكر مرة ثانية بأن المعقود عليه لا يقف عند حد ما يبذله طرف من طرفي التعاقد دون الآخر، وإنما هو ما يبذله كل منهما: ثمنًا كان , مثمنًا، أخرًا كان أو منفعة، مهرًا كان أو بضعًا .... إلخ.


(١) د. حمزة الفعر، مدى اعتبار التضخم عيبًا في العملة، بحث مقدم للحلقة الثالثة للتضخم (١٩٩٧ م) .

<<  <  ج: ص:  >  >>