للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يحمد لفقهائنا أنهم تضافروا على تقديم مفهوم دقيق للعيب، نذكر منهم ما يلي:

قال ابن رشد: " العيوب التي لها تأثير في العقد هي عند الجميع ما نقص عن الخلقة الطبيعية أو عن الخلق الشرعي نقصانًا له تأثير في ثمن المبيع، وذلك يختلف بحسب اختلاف الأزمنة والعوائد والأشخاص " (١) , قال ابن قدامة: " فصل في معرفة العيوب، وهي النقائص الموجبة لنقص المالية في عادات التجار؛ لأن المبيع إنما صار محلًا للعقد باعتبار صفة المالية، فما يوجب نقصًا فيها يكون عيبًا، والمرجع في ذلك إلى العادة في عرف أهل هذا الشأن (٢) .

وقال السرخسي: " ثم المرجع في معرفة العيوب إلى عرف التجار، وفي كل شيء إنما يرجع إلى أهل تلك الصنعة، فما يعدونه عيبًا فهو عيب يرد به، أو ما ينقص المالية فهو عيب " (٣) .

وقال القونوي: " هو نقص خلا عنه أصل الفطرة السليمة " (٤) .

وقال ابن حجر الهيتمي: " كل ما ينقص العين أو القيمة نقصًا يفوت به غرض صحيح (٥) .

هذه التعاريف المختلفة تقدم لنا العناصر الأساسية في حقيقة ومفهوم العيب، فهو نقص يلحق الشيء على خلاف خلقته، له أثره المالي، فهو ينقص مالية هذا الشيء الذي لحق به، والمرجع فيه إلى أهل الخبرة والاختصاص لو طبقنا هذه الخصائص على التضخم الحادث في نقودنا المعاصرة، فإننا نجدها منطبقة فيه، فعندما تصاب نقود بالتضخم فإنها تصبح نقودًا مريضة، فالتضخم في عرف أهل الاختصاص (الاقتصاديين) مرض، ثم إنه عرض مغاير لفطرة النقود الطبيعية، فالجميع يدرك أن النقود من حيث الفطرة هي معايير ومقاييس للقيم، وأن الأصل فيها أن تكون مستقرة بالقيمة. إذن تدهور قيمتها أو تقلبها الكبير خروج بها عن أصل فطرتها، ثم إنها من حيث الشرع يجب أن تكون ذلك، ومن ثم فإن التهور المستمر في قيمتها يعد خروجًا بها كذلك على الخلق الشرعي، كما قال ابن رشد. ثم إنه ينقص مالية النقود، ويؤثر بالتالي في مقدار المقابل لها، فعشرون جنيهًا مصريًا منذ عشرين عامًا ماليتها أكثر بكثير من عشرين جنيهًا مصريًا اليوم.وما تقابل به العشرون جنيهًا سابقًا من سلع وخدمات أكبر بكثير مما يقابلها اليوم من هذه السلع والخدمات، بمعنى أن الخلل الذي طرأ عليها أثر في ماليتها، وفيما يقابلها من سلع، ومعنى ذلك أن التضخم تحقق في كل من النقص عن أصل الخلقة، وأن هذا النقص أثر بالنقص أيضًا في ثمنها أو في قيمتها أو مقابلها، وأن ذلك باعتراف كل أهل الاختصاص وهم الاقتصاديون.


(١) ابن رشد، بداية المجتهد، دار الفكر، بيروت: ٢ / ١٥٢.
(٢) ابن قدامة، المغنى، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، (١٩٨٥ م) : ٦ / ٢٣٥.
(٣) السرخسي، المبسوط، دار المعرفة، بيروت: ١٣ / ١٠٦.
(٤) القونوي، أنيس الفقهاء، ص ٢٠٧.
(٥) ابن حجر الهيتمي، تحفة الفقهاء: ٤ / ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>