للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن التضخم عيب شرعي في النقود. ولا يعكر على ذلك ما ورد في كتب الفقه على لسان بعض الفقهاء من أن رخص النقد وغلائه ليس عيبًا. فالوضع والظروف والملابسات مختلفة تمامًا، وساء نظرنًا إلى مادة النقود أو تنظيمها والكثير من الفقهاء المعاصرين يرون ذلك، وإن كان البعض منهم - وتحت التأثير القوي لمقولات بعض الفقهاء السابقين حيال غلاء النقد ورخصه - لا يرون التضخم عيبًا في نقودنا، مع أن الفقهاء القدامى هم الذين قالوا لنا إن المرجع في ذلك ليس إلى الفقهاء وإنما إلى أهل الاختصاص (الاقتصاديين) ، فالفقيه الجيد لا يقول بادئ ذي بدء هذا عيب وهذا غير عيب، وإنما يعتمد في ذلك على أهل الخبرة؛ الأطباء المهندسين، الاقتصاديين ... إلخ (١) .

٢- هناك زاوية جديرة بالاهتمام وهي أن الحديث الفقهي المفصل والمسهب في العيوب انصرف أساسًا إلى العيوب التي كانت قائمة بالمعقود عليه عند التعاقد، لكنها غير معلومة لكلا الطرفين أو أحدهما، ثم ظهرت بعد ذلك. فإلى أي مدى ينطبق ذلك على ما نحن فيه من تضخم؟ طبعًا الواضح أننا نتحدث عن تضخم متوقع وغير معلوم وقائم لدى العقد. وإلا فإنه لو كان موجودًا ومعلومًا عند التعاقد كان كعيب معلوم وموجود لدى المتعاقدين، وهذا لا كلام لاحد من المتعاقدين نفيه، فقد دخل على علم بالعيب وقد رضي به، وغالبًا ما يكون قد كيف موقفه معه , ومع ذلك فيمكن وجود تضخم قائم وموجود، ولكنه غير معلوم على الأقل لأحد الطرفين، كما إذا تعاقد وطني مع أجنبي يجهل أوضاع العملة الوطنية. لكننا سنغض النظر عن تلك الصور التي قد لا تكون شائعة، وإذن فما زال الإشكال قائمًا، حيث أن كلام الفقهاء القدامى كان عن عيوب موجودة عند العقد غير معروفة، ولكننا الآن حيال عيب يطرأ بعد العقد وقبل القبض، فهل يأخذ حكم العيب القديم؟ المسألة متروكة لاجتهاد الفقهاء المعاصرين، مع الإشارة إلى أن بعض الفقهاء القدامى قد تحدث عن حكم عيوب تحدث في المعقود عليه قبل قبضه، وألحق بها العيوب التي كانت قائمة قبل التعاقد. يقول السرخسي: " إذا اشترى الرجل جارية بألف درهم وقيمتها ألف درهم فولدت عند البائع بنتًا تساوي ألف درهم، وأنقصت الولادة الأم فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها بجميع الثمن، وإن شاء تركها لأنها تعيبت في ضمان البائع، والعيب الحادث قبل القبض فيها يجعل المقترن بالعقد " (٢)


(١) كما صرح بذلك القرافي، الذخيرة: ٥ / ٨٢.
(٢) السرخسي، المبسوط، مرجع سابق: ١٣ / ١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>