للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحل عن طريق التمييز بين الحالات والعقود:

نظرًا لتعدد الحالات والملابسات ولتعدد أنواع العقود الآجلة وتنوع طباعها، فهل الأمثل فقهيًا أخذها كلها كشيء واحد وتطبيق ما يطرح من حل عليها كلها دون تمييز؟ أم الأمثل التمييز والتفريق بين كل حالة وأخرى وكل عقد وآخر؟ أو على الأقل مراعاة ما قد يكون هنالك من فروقات ضخمة بارزة؟

بعض الفقهاء لا يرى التمييز ولا التفريق؛ لأن ذلك يفتح أبوابًا لممارسات قد تكون خاطئة، ولأن العدالة تقتضي المعاملة الواحدة للجميع طالما أننا أمام تضخم، إما بمراعاته أوعدم مراعاته، لكن البعض يرى التمييز (١) . وأبرز مواطن التمييز ما يلي:

١- المعاوضات والأمانات: ذهب فريق من العلماء إلى أن محل النقاش والحوار حيال مسألة التضخم ينبغي أن يكون فقط في عقود المعاوضات، مثل البيوع والإجارات والقروض ... إلخ. ويستبعد من ذلك عقود الأمانات، مثل المضاربات، إذ في الأولى نجد طرفين مستقلين وعوضين متقابلين، ومن ثم فمن المتصور والممكن حدوث ضرر لطرف دون الآخر، وإذن فالأمر قد يستدعي النظر لإزالة هذا الضرر، لكن في الأمانات الأمر مختلف، إن الطرفين بمثابة طرف واحد، فالمضارب مثلًا أو المودع لديه هو بمثابة رب المال أو المودع. ومعنى ذلك أنه ليس لرب المال إلا مثل ماله الذي دفعه ولايعتد بتغير قيمته في حال المضاربة. وهناك نصوص فقهية تؤيد هذا التمييز.

ومع ذلك إن البعض لا يرى هذا التمييز، بل ويصرح بأنه ينبغي أن يجري الربط في الأمانات عند حدوث التضخم تمامًا بتمام كما يجري في الديون المضمونة تحقيقًا للعدالة، وحتى لا يظلم رب المال بعودة ماله ناقصًا، ويأخذ المضارب أموالًا هي ليست في الحقيقة أرباحًا تجارية بعمل يده، وهذا مثال توضيحي، لنفرض أن رجلًا دفع مائة جنيه مضاربة وفي نهاية العام كان الربح ٢٠ جنيهًا تقسم مناصفة، وكان معدل التضخم (٢٠ %) ، فمعنى ذلك أن صاحب المال قد حصل في نهاية العام على (١١٠) ، وأن المضارب قد حصل على (١٠) جنيهات.

وإذا تأملنا جليًا لوجدنا أنه من حيث المالية والقيمة الحقيقية، فإن رأس المال الذي عاد لصاحبه قد نقص تقريبًا (٢٠ %) أي كأنه ثمانون جنيهًا، يضاف عليها (١٠) لتصبح تسعين جنيهًا. معنى ذلك أنه لم يسلم له رأسماله حقيقة، فكيف يكون هناك ربح ويوزع، إذن ما العمل؟ هل يأخذ رب المال كل المبلغ وهو ١٢٠ جنيهًا بحجة أن هذا هو في الحقيقة ما دفعه من قبل؟ وهل هذا عدل في حق المضارب الذي عمل طول العام وتحمل ما تحمل من جهد ومشقة وكلفة؟ بل حقق من الناحية الواقعية الملموسة ربحًا، هل من المستساغ أن يقال له بعد كل ذلك: إن هذا ربح تضخمي أو صوري محض، وليس لك أي حق فيه؟ ومن الذي حول المال النقدي وهو المائة إلى سلع تستفيد من التضخم وترتفع أسعارها؟ ومن الذي تسبب في تحقيق (٢٠) جنيهًا ربحًا؟ إذن المسألة تحتاج إلى نظر دقيق، والأقرب في نظري عدم إخضاع عقود الأمانات للتقويم.


(١) وهذا الخلاف في الرأي لا يقف عند الفقهاء المعاصرين، فقد ظهر هذا الخلاف لدى الفقهاء القدامى، فمنهم من عمم الحكم ومنهم من ميز بين حالة وأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>