للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنصيف الضرر بين الطرفين:

قلة من الفقهاء ذهبت إلى تنصيف الضرر إجبارًا بين الطرفين (١) ، استنادًا إلى أننا حيال ضرر واقع كرهًا، وأن كلا الطرفين في الحقيقة مضار وإن تفاوتت درجة الضرر لدى كل منهما، ومن ثم فليس من المقبول أن يتحمل أحد الطرفين الضرر وحده، وإنما يتقاسمانه جبرًا. وبعض من قال بذلك أيد موقفه - إضافة إلى ما سبق - بما هو مدون لدى الفقهاء القدامى من نظام المظالم المشتركة، بجامع أن كلا منهما يمثل ضررًا واقعًا كرهًا من غير الطرفين، ومن ثم فلا يسوغ أن يحمله واحد منهما بمفرده، بل يشتركان فيه، تحقيقًا لمبدأ العدالة حتى في الظلم. وجمهور الفقهاء المعاصرين لا يرون هذا الحل؛ لأنه ليس من العدل ولا من الحق إلزام طرف من طرفي التعاقد بتحمل نصف ضرر وقع لا دخل له فيه.

وبالنظر المتأنى في مسألة المظالم المشتركة نجدها، وإن تشابهت في بعض المظاهر مع التضخم، فإنها تختلف عنه اختلافًا جذريًا، فهناك مظلمة مفروضة على الجميع، فلا يسوغ لفرد أن يتهرب منها، حيث سيتحملها من لا يتهرب منها، وبالتالي يلحق به ظلم فوق ظلم، ومن ثم ذهب بعض الفقهاء إلى أنه في تلك الحالات يتحمل الجميع ما وقع عليهم من مظالم بالعدل. والملاحظ أن التضخم مغاير لذلك تمامًا، فهو لا يلحق ضررًا بكل الأفراد، فالبعض يضار والبعض يستفيد، ثم إن موقف طرفي التعاقد أمام هذه الظاهرة غير متماثل، فليس الضرر الذي لحق بالمدين إن كان هناك ضرر لحقه أصلًا مساويًا للضرر الذي لحق بالدائن، حتى يتحمل معه الدائن نصف الضرر. وهكذا فإن الاستناد إلى القول بذلك على نظام المصالح المشتركة لا يخدم هذا الحل. على أن فكرة المشاركة في تحمل المضار بين الطرفين أمر مقبول، وقال به الكثير، لكن لا علي سبيل الإلزام من جهة، ولا على سبيل تحديد نسب المشاركة بالنصف أو بغيره من جهة أخرى، وإنما الأمر خاضع للتراضي أو لما يراه المحكمون أو القضاة في ضوء الظروف والملابسات المحيطة. وفي ضوء ذلك فإنني أرى أن هذا الحل من حيث درجة قبوله هو أقل بكثير من الحل عن طريق الجائحة أو العيب أو الصلح.


(١) فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا، انخفاض قيمة العملة الورقية، مجلة المجمع، العدد التاسع، الجزء الثاني (١٩٩٦ م) ؛ د. نزيه حماد، ربط الديون والالتزامات الآجلة بمؤشر تكاليف المعيشة، بحث مقدم للحلقة الثالثة للتضخم، (١٩٩٧ م) .

<<  <  ج: ص:  >  >>