للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تطبيق نظام الصلح ثم التحكيم ثم القضاء:

من المسلم به أنه في حال حدوث تضخم غير متوقع وفي بعض حالات تراكم التضخم المتوقع، فإن ضررًا يلحق بصاحب الحق أو الدين، ومن المسلم به أيضًا أن الطرف الثاني لم يكن المتسبب المباشر في هذا التضخم، وتحميل هذا الضرر للطرف الثاني هو لدى الكثير إزالة ضرر بضرر، وقد يكون التضخم من الارتفاع بحيث يتعذر على الطرف الثاني تحمله، لهذا كله ذهبت الكثرة الكثيرة من الفقهاء المعاصرين إلى أن أفضل الحلول لمواجهة هذه المشكلة هو تطبيق نظام الصلح، فإن لم يكن فنظام التحكيم، فإن لم يكن فنظام القضاء.

معنى هذا أنه إذا حدث تضخم قبل الوفاء فالباب مفتوح على مصراعيه أمام الطرفين للتراضي والتصالح فيما بينهما، فيما يتحمله كل طرف من الضرر، وباب الصلح موجود وفسيح في الشرع، في إطار من الضوابط الشرعية، فإذا لم يتمكن الطرفان من الاتفاق الودي على شيء بمفرديهما فلهما اللجوء إلى التحكيم، والتحكيم هو الآخر نظام معترف به شرعًا، وعليهما الإذعان لما يحكم به، فإذا لم يكن ذلك فلهما اللجوء إلى القضاء الذي ينظر في الموضوع من جوانبه المختلفة وملابساته وظروف كل طرف، ويحكم بما يراه أقرب إلى العدالة بينهما. ومتى قلنا بذلك فإنه يسري في حالة ما إذا لاحظ الطرفان التضخم المتوقع، واتفقا على أنه إذا حدث بالفعل فأمامهما التصالح أو التحكيم أو القضاء، وفي حالة ما إذا لم يلاحظاه عند التعاقد ولكن حدث بعد ذلك، فلهما عند الوفاء اللجوء إلى الحلول المذكورة. ومعنى ذلك أن هذا الحل لا يقف عند التضخم غير المتوقع بل يشمل النوعين معًا؛ المتوقع وغير المتوقع.

وقد قال بهذا الحل فقهاء قدامى (١) وقالت به جماهير الفقهاء المعاصرين (٢) وكذلك جماهير الاقتصاديين الإسلاميين، وذلك لبعده عن المحظورات الشرعية من جهة ولسلامته الاقتصادية من جهة ثانية، لاسيما إذا ما تم من خلال التصالح أو حتى التحكيم، حيث لا يتطلب الأمر مزيدًا من الجهد والمال والوقت، كما أنه يهيئ السبيل أمام المزيد من استقرار المعاملات وازدهارها.

وفي ضوء ذلك كله فإنني أرى أن هذا الحل هو أنسب الحلول على الإطلاق لمعالجة موضوعنا. برغم ما في الحلين السابقين القائمين على الجائحة والعيب من ميزات، فإن هذا الحل يتميز عنهما لخلوه من الكثير من الاعتراضات التي وردت عليهما، وكذلك لإعطائه مجالًا أوسع أمام الطرفين للاتفاق على ما يحقق لهما معًا أكبر قدر ممكن من المصلحة.


(١) السيوطي، الحاوي للفتاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، (١٩٧٥ م) : ٢ / ١٣؛ ابن عابدين، تنبيه الرقود على مسائل النقود، رسائل ابن عابدين: ٢ / ٦٦.
(٢) الشيخ عبد الله بن منيع، التضخم وموقف الإسلام منه ومن المصالحة في حال وقوعه، الحلقة الثالثة للتضخم (١٩٩٧م) د. علي القره داغي، مرجع سابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>