للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقدير بالعرف: التقدير يكون بالعرف والعادة، قال ابن قدامة: " إن ظاهر المذهب أنه لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها، إلا أن ما جرت العادة بتلفه كالشيء اليسير الذي لا ينضبط فلا يلتفت إليه "، قال أحمد: " إني لا أقول في عشر ثمرات ولا في عشرين ثمرة، ولا أدري ما الثلث، ولكن إذا كانت جائحة تعرف: الثلث أو الربع أو الخمس، توضع ".

وقد وجه ابن قدامة هذه الرواية عن أحمد بقوله: " ووجه الأول عموم الأحاديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح، وما دون الثلث داخل فيه يجب وضعه، ولأن هذه الثمرة لم يتم قبضها فكان ما تلف منها من ضمان الباع وإن كان قليلًا، كالتي على وجه الأرض، وما أكله الطير أو سقط لا يؤثر في العادة ولا يسمى جائحة، فلا يدخل في الخبر ولا يمكن التحرز منه، فهو معلوم الوجود بحكم العادة، فكأنه مشروط، إذا ثبت هذا فإنه إذا تلف الشيء له قدر خارج عن العادة وضع من الثمن بقدر الذهب " (١) .

والتقدير بالعرف في مذهب مالك في الجائحة والغبن، ولعل هذا أولى، بناء على أن ما لا حد له في الشرع أو الوضع يرد إلى العرف (٢) .

وإليك نموذجًا من تردد علماء المالكية بين الثلث وما تقضي به العادة في مسألة الغبن، قال الحطاب: " قال ابن الحاجب بعد أن حكى ما تقدم: والغبن قيل: الثلث، وقيل: ما خرج عن المعتاد، قال ابن عبد السلام: حيث يكون للمغبون الرجوع في الغبن إما في محل الوفاق أو في محل الخلاف، فقيل: قدر الغبن في حق البائع أن يبيع بما ينقص عن ثمن المثل الثلث فأكثر، وفي حق المشتري أن يزيد على ثمن المثل قدر الثلث فأكثر، وقيل: لا يحد بالثلث ولا بغيره من الأجزاء سوى ما دلت العادة على أنه غبن. وظاهر كلام المؤلف – يعني ابن الحاجب - أن هذين القولين في الغبن المتفق على اعتباره، وفي المختلف في اعتباره، وظاهر كلام غيره أن الغبن المتفق على اعتباره لا يوصل فيه إلى الثلث ولا إلى ما قاربه، إذا خرج عن الثمن المعتاد في ذلك المبيع صح القيام به، ونقله في التوضيح وزاد فقال: وقال ابن القصار إذا زاد على الثلث فيكون قولا ثالثًا. انتهى وحكى ابن عرفة ثلاثة الأقوال، ويظهر من كلام ابن عبد السلام والتوضيح ترجيح القول بأنه ما خرج عن المعتاد وصدر به في الشامل، وعطف القولين الأخيرين بقيل، فقال: والغبن ما خرج عن العادة وقيل: الثلث، وقيل: ما زاد عليه. انتهى.


(١) ابن قدامة، المغني: ٦ / ١٧٧ – ١٧٩.
(٢) السيوطي، الأشباه والنظائر، ص ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>