للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع ذلك فقد أفرد الإمام الجليل الفقيه محمد بن محمود بن الحسين الأستروشني (١) الحنفي المتوفى بعد عام (٦٥٢هـ) (٢) كتابًا سماه (جامع أحكام الصغار) شمل أحكام الطهارات والعبادات والأحوال الشخصية وتوابعها، والحدود الشرعية والجنايات، والعقود، والسير، واللقيط، والغصب والضمان، والدعوى والشهادات والإقرار، والمحاضر وأدب القاضي، والنسب والإكراه، والجنين، والذبائح والأضحية، والوقف، والوصايا، والفرائض (المواريث) .

وذلك من أجل معرفة أحكام شرع الله المتعلقة بأفعال غير المكلين، من قبيل الحكم الوضعي، الضابطة لتصرفاتهم المنظمة لسلوكهم، المبينة للأحكام التي تترتب على أقوالهم وأفعالهم، والشارحة لعقوبات الجنايات التي قد تترتب على بعض تصرفاتهم، هذا بالإضافة إلى بيان علاقة الصغار بالأولياء والأوصياء والقضاة، وذلك لتنشئة الأبناء والبنات تنشئة إسلامية رشيدة، قائمة على محبة طاعة الله، وكراهية معاصيه.

كما أن علماء أصول الفقه بحثوا في "الحكم الشرعي" موضوع الأهلية وأقسامها، وأحكام مراحل الإنسان أو أدوار الأهلية وعوارضها، وفيها تبيان أحكام الجنين (مرحلة الاجتنان) ، ثم أحكام مرحلة الطفولة والبلوغ والرشد، وأحكام الصغر باعتباره أحد عوارض الأهلية الطبيعية أو السماوية، وتصرفات الصغير المدنية والجنائية.

ويخصص الفقهاء عادة أيضًا بابًا خاصًا في كتب الأشباه والنظائر لأحكام الصبيان المختلفة، وفيها بيان شاف لتلك الأحكام، ويذكر العلامة القرافي في كتابه (الفروق) في الفرق السادس والعشرين بين قاعدة خطاب التكليف وقاعدة خطاب الوضع، مسألة تتعلق بالصبي في غاية الأهمية: وهي أن الصبي إذا أفسد مالًا لغيره، وجب على وليه إخراج الجابر من مال الصبي، فالإتلاف سبب للضمان، ومن خطاب الوضع (٣) ، فإذا بلغ الصبي ولم تكن القيمة أخذت من ماله، وجب عليه إخراجها من ماله بعد بلوغه، فقد تقدم السبب في زمن الصغر، وتأخر أثره إلى ما بعد البلوغ (٤) .


(١) نسبة إلى قرية أستروشنه شرق سمرقند، وولادته سنة ٦٢٢هـ.
(٢) وهو العام الذي انتهى فيه من تأليف هذا الكتاب.
(٣) الحكم الوضعي: هو خطاب الله تعالى الوارد بجعل الشيء سببًا أو شرطًا أو مانعًا أو صحيحًا أو فاسدًا أو عزيمة أو رخصة.
(٤) الفروق: ١ / ١٦١، وما بعدها، ص ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>