للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: إن الحاجة الملحة هي التي دفعت جميع الدول في العصر الحاضر إلى الاعتماد على النقود الورقية، ولا نجد رأيًا لفقهاء السلف حول هذه النقود الورقية لعدم وجودها في عصرهم، غير أن علماء العصر وجدوا أنفسهم أمام الأمر الواقع هو كون العملة الورقية قد حلت محل الذهب والفضة في استعمالها مقياسًا للتقييم وواسطة للتبادل وأداة للادخار، فغدت بذلك نقدًا قائمًا بذاته يجب أن يعرف حكم الله فيها، لذلك اجتهدوا وكان طبيعيًا أن يختلفوا في أول الأمر؛ شأن كل مسألة اجتهادية جديدة، فقد رأى بعض العلماء عدم وجوب الزكاة في هذه النقود الورقية؛ لكون النقود الشرعية هي فقط الذهب والفضة، وأما هذه النقود الورقية فقيمتها ليست في ذاتها، بل هي مجرد سندات وتعهد بالدفع، وتفقد قيمتها بمجرد إلغاء التبادل بها، وينسب هذا المذهب إلى بعض المالكية كالشيخ محمد عليش مفتي المالكية في مصر في عصره، فقد سئل عن حكم "الكاغد" وهو ورق فيه ختم السلطان كانوا يتعاملون به كالدراهم والدنانير، فأفتى بعدم وجوب الزكاة فيها (١) .

وأفتى بعض الشافعية كذلك بعدم وجوب الزكاة فيها، أي الأوراق المالية ما لم تقبض قيمتها ذهبًا أو فضة ويمضي على ذلك حول، معللين ذلك بأن التعامل بها حوالة غير صحيحة شرعًا لعدم الإيجاب والقبول اللفظيين، غير أن الغالبية العظمى من الشافعية يرون أن عدم الإيجاب والقبول اللفظيين في الحوالة لا يبطلها إذا جرى العرف بذلك، وقال بعض أئمتهم: المراد بالإيجاب والقبول كل ما يشعر بالرضا قولاً كان أو فعلاً، فيكون الرضا هنا محقق (٢) .


(١) راجع فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي: ١/٢٧١.
(٢) راجع فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي: ١/٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>