للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلى هذا فالورق النقدي وإن كان التعامل به من قبيل الحوالة على البنك، إلا أن مالكه يملك دينًا على البنك، والبنك مليء مقر مستعد للدفع حاضر، ومتى كان المدين بهذه الحالة فإن الزكاة تجب على الدين في الحال. وبهذا التوجيه أوجب جمهور الشافعية الزكاة على النقود الورقية.

أما الأحناف فقالوا: إن الأوراق المالية من قبيل الدين القوى، لكن لما أمكن صرفها فضة على الفور وجب فيها الزكاة على الفور.

وذهبت المالكية إلى أن هذه الأوراق المالية وأن كانت سندات دين إلا أنها يمكن صرفها فضة على الفور، كما أنها تقوم مقام الذهب في التعامل، فيجب فيها الزكاة بشروطها.

وذهب الحنابلة إلى أنها لا زكاة فيها إلا إذا صرفت ذهبًا أو فضة بالفعل ووجدت فيها شروط الزكاة. ومن هنا ندرك أن العمدة في جميع المذاهب الأربعة وجوب الزكاة في الأوراق المالية باعتبارها سندات دين على بنك الإصدار، وأنها يمكن صرف قيمتها فضة على الفور، وإذا أمعنا النظر في مستندهم هذا نجد أنه ليس بقوي؛ لأن البنوك أصبحت غير ملزمة قانونًا بصرف هذه الأوراق المالية بالذهب أو الفضة.

أضف إلى ذلك أن هناك فروقًا جوهرية بين هذه الأوراق المالية وما هو مضمون بها، وبين الدين الحقيقي وسنده المعروف عند الفقهاء، إذ لا ينطبق عليها لا حقيقة الدين ولا شروطه المعروفة عندهم، فلا يصح اعتبار هذه الأوراق المالية دينًا على بنك الإصدار فتوجب الزكاة فيها بناء على ذلك.

ومن أوجه الفرق: أن الدين إذا كان في ذمة المدين فإنه لا ينمو ولا ينفع به ربه، ولا يجري التعامل بسنده رسميًا؛ لأنه ليس مالاً حاضرًا معدًّا للنماء يحذف هذه النقود الورقية.

إذن فخير ما نعلل به وجوب الزكاة فيها هو أن نقول: إن هذه الأوراق المالية أصبحت هي أساس التعامل بين الناس بعد اعتمادها لدى جميع السلطات الشرعية في العالم، في أثمان الأشياء وبها وبواسطتها تتم عمليات البيع والشراء ويرضي بها الجميع في جميع الاستحقاقات المالية في الأجور والمهور والديات وغيرها، فهي بذلك لها قوة الذهب والفضة في قضاء الحاجات وتحقيق المكاسب والأرباح، بل وأكثر؛ لأن العملة الذهبية أو الفضية أصبحت نادرة لا تكاد ترى. ولا يشك أحد في أن هذه الأوراق المالية بسبب جميع الصلاحيات التي ذكرناها هي أموال نامية أو قابلة للنماء، كما هو الحال في الذهب والفضة، فنوجب فيها الزكاة قياسًا عليهما؛ لأنه قد تقرر بعد التحقيق أن علة وجوب الزكاة في الذهب والفضة هي النماء وقد وجد في الأوراق المالية فنعطيها حكمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>