التهويد هو الدعامة الثالثة للاحتلال اليهودي التي تعزز الهجرة من جهة، والاستيطان من جهة أخرى. ومهما ورد في المراجع من ذلك لهذه القواعد مختلطة ومتشابكة، إلا أنها في
واقع الأمر ذوات مدلولات مختلفة وحقائق متباينة، وإن وقع بعضها من البعض الآخر موقع المسبب من السبب، والأثر من الفعل. وإن هذا لا يمنع أبدًا من التقائها جميعها في
المعنى العام الذي يقتضيه الاحتلال، فتكون كل دعامة من الدعائم الثلاثة محققة لغرض من أغراضه، ومنجزة لهدف من أهدافه. وإننا بما سبق لنا تفصيل القول فيه وإيضاحه لا
نكون في حاجة إلى إعادة الحديث عن الدعامتين الأوليين، وإنه من المفيد التذكير بأن الهجرة اليهودية إلى فلسطين اقترنت بتهجير العرب عن أراضيهم،
بإخلائها منهم، وحملهم بكل الوسائل والطرق على النزوح إلى خارج بلادهم فسحًا لليهود الوافدين في الأماكن والمنازل الضرورية لإيوائهم وإقامتهم.
والاستيطان مثل الهجرة يتوقف على وضع سلطة الاحتلال يدها على المنازل الفارغة، والأراضي الخالية، وعلى ما انتزعته وتنتزعه من أملاك المهجرين
من العرب الفلسطينيين، أو تدكه وتنسفه من عماراتهم ومساكنهم ومتاجرهم لإقامة المستعمرات السكنية والأحياء اليهودية في كل موقع من المواقع في فلسطين: في القدس الشريف، وفي الحرم القدسي، وفي الخليل، وفي غير ذلك من أجزاء البلاد. ولا ننسى هنا
أن ننبه إلى ما في الهجرة وإنشاء المستوطنات من تهويد لفلسطين، لما يلحقها بسببها من تغيير في السكان وفي البناء وفي المستعمرات والأحياء، تهويدًا يجعل
الدار غير الدار، وسكانها غير أهليها وأصحابها من العرب. فالهجرة طريق من طرق التهويد للبلاد المحتلة، والمستوطنات مثلها تغير المعالم وتقضي على الطابع التاريخي الأثري