للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفكر الصهيوني وريثًا:

تشير الآيات القرآنية التي وردت في بني إسرائيل أو اليهود إلى نوعية الممارسات التي طبعت تاريخهم وساهمت في تكوينهم، وهي ممارسات لا تقف عند حدود قتل الأنبياء، بل تتعداها إلى الافتراء على الله - جل وعلا - وإلى كثير من أنواع الفساد في الأرض، والحقيقة أن هذا النزوع المتجذر في الشخصية اليهودية التاريخية أو مجتمع اليهود التقليدي نحو العدوان والإفساد لا علاقة له بالديانة اليهودية وتعاليمها الأصلية، فهناك فرق بين اليهود كعصبية تاريخية وبين اليهود كديانة سماوية، وفرق آخر بين اليهود كأفراد ومجتمعات إنسانية قائمة وبين العصبية اليهودية التاريخية، فاليهودي كإنسان لا يمكن أن يتحمل أوزار العصبية التاريخية خلال ثلاثة آلاف عام، إلا إذا أصبح جزءًا منها وامتدادًا لها، أي إن اليهودي له الحق في العيش في هذا العالم وممارسة ما يفرضه عليه انتماؤه الديني من عبادات وطقوس حتى في ظل الدولة الإسلامية، فذلك ما تقره الشريعة الإسلامية بكل وضوح، وما نريد أن نخلص إليه هنا هو أننا حين نتحدث عن اليهود فإننا نعني العصبية اليهودية التاريخية وليس الديانة اليهودية أو اليهودي كإنسان.

إن من أكبر الآثام التاريخية التي ارتكبها اليهود بحق ديانتهم هو التحريف الذي ألحقوه بها، وهو ما لا تخفيه مصادر الفكر اليهودي، فالتوراة - المختلف عليها والتي تشتمل على خمسة أسفار من العهد القديم - بعد أن فقدت عقيب وفاة موسى عليه السلام، عمد بعض الكهنة بعد قرون على وفاة الكليم عليه السلام إلى إملاء بعض التعاليم والأسفار ونسبوها إليه. كما أن أسفار الأنبياء والكتابات في العهد القديم منسوبة - هي الأخرى - إلى كهنة وأحبار عاشوا متأخرين بعدة قرون عن هؤلاء الأنبياء. ولا نريد الدخول في تفاصيل عملية الاختلاف والتحريف هذه، إذ إنها من القضايا التي أشبعت بحثًا، ويكفي أن (ول ديورانت) يؤكد أنه لم تبق من شريعة موسى عليه السلام سوى الوصايا العشر (١) . أي إن العهد القديم ضم بين دفتيه الصحيح والمحرف والموضوع، مع عدم إمكانية الفصل بينها بعد أن اختلطت ببعضها وانتهت إلى مضمون وشكل موحد.


(١) انظر في هذا المجال: د. أحمد شلبي، اليهودية؛ رحمة الله الهندي، إظهار الحق؛ عصام الدين حفني، محنة التوراة على أيدي اليهود، د. جعفر هادي حسن، فرقة القرائين اليهود.

<<  <  ج: ص:  >  >>