للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمون بين الفعل ورد الفعل:

لسنا بحاجة هنا إلى تأكيد أهمية موقع فلسطين والقدس عقائديًّا وثقافيًّا وجغرافيًّا وسياسيًّا في الخارطة الإسلامية، فإجماع الأمة على أن فلسطين هي القلب في القضية الإسلامية يكفي مؤنة البحث في هذا المجال. ولكن هناك نقطة نرى ضرورة التذكير بها، وهي أن احتلال فلسطين يعني احتلال جزء من الوطن الإسلامي، وبالتالي فقدان الوطن الإسلامي استقلاله السياسي والجغرافي، وتعرض الأمة للاستهداف في عقيدتها وهويتها، واستباحة المقدسات التي اؤتمن عليها المسلمون، ولاسيما أن الذي يقوم بهذه المهام ليس عدوًّا تقليديًّا، بل هو مشروع كبير في حجمه وعميق في نظرته وأهدافه العقائدية والسياسية والتاريخية والجغرافية، فضلًا عن خطورته العظمى التي تتمثل في جرأته وطموحه وجديته، ولاسيما أنه ينفذ مخططه في إطار مفارقة يصعب تصورها فضلًا عن تصديقها، إذ أن أصحاب المشروع الذين لا يتجاوز عددهم (١٣) مليون نسمة (فيما لو افترضنا جدلًا أن التيار الصهيوني يستوعب جميع اليهود) ، يستهدفون وجود وعقيدة وكيان مليار و (٣٠٠) مليون إنسان. فهل يمكن تصور هذه المفارقة.. حتى لو وضعنا لها آلاف المسوغات؟!

ومن هنا فإن جميع الحلول التي تأتي عبر التفاوض أو التعايش مع هذا العدو وصولًا إلى السلام والأمن في فلسطين والمنطقة، هي حلول لا تلامس إلا سطح القضية، ولعلها لا تدرك أن فيها عمقًا بالغًا؛ لكي تغوص فيه وتجد من خلال ذلك الحل المناسب، فهذا العدو بقبوله التفاوض أو الصمت - أحيانًا - حيال بعض ردود الفعل الإعلامية والسياسية (المحلية أو العربية والإسلامية) فإنه يسخر من خصومه؛ لأنه لن يرضى بما استولى عليه من أراض ومقدسات، ولن يكتفي بما حققه حتى الآن، ولن يكتفي بما حققه حتى الآن لكي يقال: إنه سيلتزم بعدم القيام بأي عمل عدواني، في حال الدخول معه في اتفاقيات ومعاهدات، كلا بالطبع؛ فالصهيونية لن تتنازل عن هدف (إسرائيل الكبرى) ... هذه الإمبراطورية التي يراد لها الانطلاق من العدوان على الأمة الإسلامية جغرافيًّا وأمنيًّا وسياسيًّا باتجاه تدميرها عقائديًّا وثقافيًّا.

والحقيقة إن المسلمين ظلوا طوال قرن كامل من المشكلة الفلسطينية يتعاملون معها بردود الفعل، باستثناء بعض المواقف الفعل المنفردة، وهذا يدل على أن المسلمين لم يدركوا عمق المشكلة في الواقع، بل في حدود التنظير والأعمال الإعلامية والبحثية.

<<  <  ج: ص:  >  >>