للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ٢٦ سبتمبر ١٩١٧م أبرق (لويس براندز) إلى حاييم وايزمن يخبره بموافقة الرئيس ولسون على مشروع وعد بلفور.

ثم خرج التأييد الأمريكي للصهاينة بشكل فاضح في أواخر الحرب، فشمل الرئيس الأمريكي (ولسون) بعثة وايزمن بعطفه ورعايته، كما وجه رسالة تهنئة إلى يهود العالم بمناسبة حلول رأس السنة العبرية، رأى فيها مراسل صحيفة التايمز اللندنية في واشنطن اعترافًا من أمريكا بالصهيونية ومشاريعها في فلسطين.

وعندما أوفدت الحكومة الأمريكية - وليم بيل - مبعوثًا سريًّا لها إلى الشرق الأوسط في مايو أيار ١٩١٥م، اتخذ هذا من القدس مقرًّا له، وفي (١٨) مارس آذار ١٩١٨م أرسل بيل إلى حكومته تقريرًا، تحدث فيه عن قلق العرب إزاء ما يروج عن قرب إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وحذر من التصريحات الغامضة التي كان يدلي بها الإنجليز والفرنسيون بهذا الصدد، ورأى أنها تعطي سلاحًا للألمان وللترك، يستخدمونه ضد الحلفاء في دعايتهم لاستعادة عطف العرب على الإمبراطورية العثمانية خاصة بعد أن كشفت الثورة البلشفية في روسيا أكتوبر ١٩١٧م الاتفاقيات التي عقدتها فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية، فيما بينها، لاقتسام العالم العربي، ومن بين تلك الاتفاقيات اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة.

وفي نوفمبر ١٩١٨م وضعت الحرب أوزارها، وعقد مؤتمر الصلح في باريس في يناير ١٩١٩م، وفي الأيام الأولى للمؤتمر أدلى كل من ولسون وهاوس فرانكفورتر الصهيوني الأمريكي المعروف ومساعد وزير الحربية الأمريكية بتصريحات مماثلة للصهيونية، وقدمت مجموعة المخابرات الملحقة بالوفد الأمريكي إلى مؤتمر الصلح تقريرًا إلى ولسون، تضمن التوصيات الخاصة بالشرق الأوسط، وشددت التوصيات على ضرورة وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني ليتسنى تهجير اليهود إليها وتحويلها إلى وطن قومي لليهود.

وقبل عودته إلى باريس من واشنطن، في مارس من نفس العام أصدر ولسون بيانًا قال فيه: إنه مقتنع بأن أمم الحلفاء، بالاتفاق مع حكومتنا وشعبنا تعتزم إرساء أساس كومنولث يهودي في فلسطين، كما أكد لوفد من الصهيونيين التقى به في البيت الأبيض في يونيو ١٩١٩م أن فلسطين ستصبح وطنًا قوميًّا لليهود.

إذًا فالوعد بإقامة وطن لليهود في فلسطين لم يكن وعدًا بريطانيًّا، وإن كان كذلك، بل كان وعدًا أمريكيًّا أيضًا. فالسياسة الأمريكية كانت تنظر بعيدًا وبعيدًا جدًّا، مستفيدة من كل الظروف، أعني بها ظروف التأييد لفكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، لأنها كانت تنظر إلى ذلك الوطن القومي نظرة تختلف تمامًا عن نظرة الآخرين إليه، وربما تساوت معهم في تلك النظرة، ألا وهي النظرة التي تعتبر إسرائيل منطقة لنفوذها، تطل منها على القارات الثلاث آسية وأوروبا وأفريقيا، وهكذا كان، وها هي منطقة النفوذ (إسرائيل) تأخذ مكانًا لها تحت شمس هذا العالم في أبشع وضع تتخذه دولة أيضًا تحت شمس هذا العالم.

<<  <  ج: ص:  >  >>