نشط الصهيونيون إبان الحرب العالمية الأولى للحصول على وعد من ألمانيا وإنجلترا، فراحوا يهيبون بالساسة لإصدار مثل هذا الوعد بعد أن تزعم تيودور هرتزل الحركة الصهيونية، وعقده المؤتمر الصهيوني الأول في بال عام ١٨٩٧م، حيث انتقلت فكرة الصهيونية، من النطاق النظري إلى النطاق العملي، وقد تمثل ذلك بسعي الصهيونيين الحثيث للحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لليهود، وباءت - كما هو معروف - بالفشل المحاولات الأولى للحصول على مثل هذا الوعد من تركيا أولًا وألمانيا اثانيًا وانكلترا ثالثًا، وكانت حجتهم الاستفادة من النفوذ اليهودي بوجه عام، وفي الولايات المتحدة بوجه خاص، فأشاروا إلى أن مثل هذا الوعد سيغري اليهود بالضغط على الحكومة الأمريكية لمناصرة الحلفاء، ومن المعروف أن بلفور التقى أثناء الحرب الزعيم الصهيوني الأمريكي برانديز، اليد اليمنى للرئيس ولسون، وكانت استراتيجية بلفور تقوم على جر أكثر ما يمكن من الدول إلى الحرب بجانب الحلفاء، وإن الوعد المذكور سيحمل يهود روسيا الذين انخرط أكثرهم في الحركة اليسارية الداعية إلى إخراج روسية من الحرب على تغيير موقفهم، والدعوة إلى إبقاء بلادهم في القتال إلى جانب إنجلترا.
وهكذا وبعد أخذ ورد، وتنقيح وثيقة الوعد، وتحضيرها عدة مرات، حيث استغرق كل ذلك ما يقرب من أربعة أشهر قبل الوصول إلى الصيغة النهائية، صدرت أخيرًا في ٢/١١/١٩١٧ بشكل رسالة من وزير الخارجية بلفور إلى اللورد روتشيلد، ونشرت في الصحافة البريطانية في ٩ نوفمبر ١٩١٧م.
وإذا كانت بريطانيا هي التي وعدت بإقامة هذا الوطن، الذي لولا صك الانتداب الذي أعطى لبريطانيا حق الانتداب على فلسطين، ما تهيأ تنفيذ هذا الوعد، فإنه للحقيقة والتاريخ، لولا الدعم الأمريكي لهذا الوطن القومي، والمتواصل سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا ودوليًّا لما عاش هذا الوطن المصطنع إلى اليوم.